حوار أم خوار ما بين الشيعة والسنة

146

كتب د. ماجد الخواجا

أتابع منذ مطلع الألفية الثالثة وتحديدا من عام 2005 وفي شهر رمضان من كل عام سهرات ما بعد الإفطار بحوارات متعاقبة بين طرفين أحدهما باعتباره يمثل أو يعبر عن السنة أو أهل الجماعة ، فيما الطرف الآخر يعبر عن الشيعة الإثني عشرية أو الجعفرية أو أتباع آل البيت.

كنت أحرص على المشاهدة والاستماع بقلب وعقل مفتوح لعل تلك الحوارات تفضي لآفاق وفضاءات جديدة تعمل على توحيد الأمة أو بأقل تقدير ترسي مشتركات عامة بين الطرفين تكون هي العتبة والمدخل لوحدة إسلامية متوخاة.

في كل عام كان المشهد ذاته من الصراخ وإلقاء التهم وتبادل الشتائم وفي بعضها وصل الحال إلى ما يدعى بالمباهلة بين الطرفين.

في كل تلك اللقاءات كان ذات الفجوات التي يسعى كل طرف لإثبات خطأ الآخر. فقط كان يتغير الشخوص من هذا الطرف أو ذاك. لكن المحتوى وطرق ما يسمى مجازا بالحوار والمناظرة تبقى هي ذاتها.

لقد أدركت تماما أن أي معتقد أو دين أو مذهب لا يستطيع الصمود وبناء الحشود المؤيدة لها ما لم يتمكن من خلال القوة والسلطة. والتاريخ أكبر دليل على ذلك، فلو رجعنا لما يدعى بالتاريخ الإسلامي، سنرى صعودا لنجومية هذا المذهب أو ذاك بسبب تبني الخليفة ونظامه للمذهب، فازدهر المذهب الفاطمي لأنه تمكن من الحصول على الخلافة، ومجرد أن تذكر اسم عصر معين من الخلافة مثل البويهيين أو السلاجقة أو المماليك أو الأيوبيين أو الحمدانيين أو الأمويين والعباسيين والصفويين والزيديين والإباضيين، فإنه يستتبع ذلك ارتباط مذهب ديني ما بتلك الخلافة.

لا أدري أي حوار يمكن أن يقوم بين طرفين لا تجد مفردة واحدة تجمعهما، طرف يتدخل في حياة الرسول عليه السلام وزوجاته وبناته، يكفر زوجات ويخرجهن من الملة، وينكر أبوة الرسول لبنات ويثبت بنات.

طرف يرفض مفهوم الصحابة ويقبل بلعن الكثير منهم، يرفض الخلافة والخلفاء ويرى أنهم وقود وحطب لجهنم، طرف يرفض أركان الإيمان ويضيف أو ينتقص منها ، طرف ينكر طرق توثيق الأحاديث النبوية، ولا يأخذ إلا بأحاديث عن طرق مغايرة تماما. طرف لا يلتقي في أصغر الشؤون والتفاصيل الدينية، ومنها حركات الصلاة ومواقيت الصوم وزيارة القبور، والتوسل بأصحاب القبور.

هكذا تمضي السهرات التي تدعى بالحوارات أو المناظرات وهي في حقيقتها ليست إلا مساجلات وجدال بيزنطي لا يفضي إلا لمزيد من الكراهية والبغضاء، حتى وصل الحال بأحدهم أن قال لو هدمتم مذهبنا بالكامل، فلا يعني ذلك صحة مذهبكم.

تشير الوقائع والأحداث التاريخية أن ما يعلي من شأن هذا الفكر أو المذهب أو ذاك، يرجع إلى السلطة السياسية بالدرجة الأولى وليس لصحة المذهب نفسه، بمعنى أن النظام السياسي هو من يحكم ويتحكم في المذهب الديني، فلو كان النظام السياسي مؤمنا بالفطحية أو الوقفية أو القطعية أو الأزارقة أو الزيدية أو الدرزية أو الإيزيدية أو القرمطية أو الفاطمية أو الإثني عشرية، فستكون دولتهم ومجدهم وهيمنتهم.

سألت ذات مؤتمر في مسقط شيخا من كبار شيوخ الإباضية : هل المذهب ضرورة من ضرورات الدين ؟

فقال: المذهب عبارة عن طريق يستهدى به للوصول إلى الغايات الكبرى.. قلت: ماذا لو أن الطريق يفضي إلى دوامة ومتاهة وحيرة أكبر؟ أجاب: لن تجد مذهبا يعترف أنه لن يؤدي إلى الغاية الكبرى.. قلت: إذا فالمذاهب مجرد اجتهادات لطرق تؤدي إلى الحقيقة الكبرى، لكنها في مسيرتها تأخذ شكل النظام السياسي المتبني لها. لماذا إذا نبحث عن الروافد فيما البحر كله أمامنا..

حديث طال ليلتها بيننا لكنه لم يفض إلى تكوين قناعات مشتركة.

نعم قد يكون هناك جوانب إيجابية لمثل هذه البرامج ذات الطابع الحواري المشاكس التي لا غاية لها إلا إثبات خطأ الآخر، دون محاولة كلا منهما إثبات صحة ما لديه هو.. فتأخذ شكل حوار الطرشان الذي يتحدث فيه الجميع ولا يستمع أحدا منهم للآخر.

وهذ قد تتمثل الإيجابية فيها كما هو حال نافذة جوهاري ذات الحجرات الأربعة التي تعبر عن النفس البشرية، حيث أن كل حجرة لها مواصفاتها من حيث فهم الشخص ووعيه لما يعرفه عن نفسه وما يعرفه عنه الآخرون، ففي هذه البرامج يتم توسعة الحجرات الخاصة بمعرفة كيف يفكر الآخر بنا مما يزيد من مساحة الوعي والمعرفة بالآخر.

لكن يؤخذ على تلك البرامج أنها صادمة في العمق من المسلمات لدى الطرفين.. وهذا يشكل إعادة بناء وهدم لكثير منها.

ولنا عودة بالتفصيل بحول الله.

التعليقات مغلقة.