أزْمة مفتوحة !! ما مَدى ثِقة الأردنيين في مؤسساتهم السياسيّة ؟

259

 بقلم  المهندس سليم البطاينه:

 

عندما تَتلمس وتتصفّح وجوه الناس في الشارع وتقرأ ملامحهم تجدُ أن هناك أزمة عميقة بين المواطن والدولة بكل مؤسساتها السياسية والإدارية وفي اتجاهين أفقي وعامودي .. فعدم الثقة بالمؤسسات السياسية هو عملياً تقييم سلبي لسياساتها.

وإذا ما قرّرنا أنّ هناك أزمة حقيقية .. فما هي أبعادها وكيفيّة معالجتها ؟ وهل تمّ قياس مداخل تلك الثّقة ؟ وهل هناك تراجع فِعلي من المؤسسات السياسية على مستوى طموح واحتياجات الناس ؟ إنّها أسئلة بديهيّة قليل من المرات طُرحت فيها هذه الأسئلة بشكل علمي وموضوعي.

فمن خلال قراءتي وبالصدفة لتقرير حالة البلاد ( ١٥٠٠صفحة ) الذي نشره المجلس الإقتصادي والإجتماعي عام ٢٠١٨ والذي وصف أن الأردن يعيش حالة أزمة مُركّبة ومتعددة الأوجه وهي متراكة تسببت بحدوث فجوة عميقة من الثقة بين المواطنيين والدولة.

وانعدام الثقة السياسية ليس بجديد فهو نتيجة تراكم سنوات طويلة من تهميش دور الحكومات والبرلمانات عبر ضرب مصداقيتها وتحجيم دورها داخل الدولة والمجتمع .. وهي حقيقة يشعر بها عامّة الناس ويعبّرون عنها يومياً من خلال تفاعلاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي.

ولطالما كانت العلاقة متوتّرة وسلبية مع الحكومات والمؤسسات السياسية .. فتراجع وضعف أداء المؤسسات هو الذي أخَلّ بالثقة بين كافة الأطراف .. والتغيّرات القيمية في صفوف الشباب أدت أيضاً إلى تغيّرات على مستوى منظومات الوعي والإدراك.

فالقصور في عملية الإبتكار السياسي يكشف لنا أن غالبية الأردنيين يعيشون المرارة وأن سقف مطالبهم المعيشية يرتفع … وأن الحب المفقود بين الدولة والمجتمع يكشف عن الحاجة إلى منظور مُحايد لمعالجة الإختلالات.

فوجود خريطة واضحة لمستقبل البلاد يعطي الناس إحساساً بالأمان .. ويعني وجود مؤسسات سياسية موثوق بها ووجود سياسيين ينصتون أكثر الى الناس واحتياجاتهم .. وهنا تبرز أهمية الثقة في دورها الحيوي في تحقيق التنمية المستدامة.

فعند إستجابة الدولة لإحتياجات مواطنيها فهي بذلك تبني علاقة إيجابية معهم .. فالعلاقة بينهما لاشك أنها تبداليّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه من هو المستفيد من ترك هامش انعدام الثقة يكبر ؟ فالفجوة متنامية وهي بحاجة إلى رؤية مستنيرة لمعالجتها .. والدولة اليوم تواجه أكبر تحد لها في إرجاع ثقة المواطن في قدرتها ومصداقيتها.

والسؤال الأهم هل تعي الدولة خطورة فقدان ثقة المواطن في الدولة التي ينتمي إليها ؟ وهل تعي النتائج المترتّبة عن وصول المواطن إلى تلك الحالة النفسية والعقلية في الضياع !

فالثقة ليست رصيد قابل للتعبئة كما في بطاقات الدفع المسبق فلا يمكن إعادة شحنها.

والمجال هنا لا يتسع في الدخول في تفاصيل ما يجب أن تفعله الحكومة والدولة لإسترجاع ثقة المواطن بقدرتها وإمكانيّاتها.. فهذا من صميم عمل المؤسسات السياسية بالدولة.

فلا بد من التوضيح أن ملامح الإضمحلال السياسي في الأردن باتت واضحة خلال السنوات العشر السابقة من حيث وجود حكومات هشة وعاجزة ومجالس نواب مزوّرة .. معظمها جاء على المقاس وتم هندستها ومعرفة رؤسائها وأعضاءها .. فغالبيتهم للأسف يمارسون دورهم الرّقابي فقط من خلال التغريدات والتصريحات واللقاءات المتلفزة وليس تحت القبة.

إذاً كل شيء بات رهيناً بالمؤسسات السياسية وقدرتها على الإستجابة لمطالب الناس وحل مشاكلهم المعيشية .. فالعجز عن الإستجابة لمطالبهم أدى إلى تراجع ثقة الناس فيها .. بحيث لم تعد تعبّر عن طموحاتهم أو تستجيب لتطلّعاتهم.

والسياسيين في الأردن لايزالون لا يدركون معنى المجهول فهم مشتّتون ولا يهمّهم إلا ضمان مستقبلهم ومستقبل أبناءهم.

فلا يمكن لنا بناء أي مستقبل واعد دون أن نبني شباباً متعلماً قادراً على بناء مستقبله .. فتطوير وإصلاح ودعم التعليم من شأنه دعم وبناء الثقة السياسية.

فالتفاوت الطبقي والضغط على الفقراء عملية قاتلة تُطيح بالسلم الإجتماعي وتُعيق برامجَ الإصلاح وخطط التنمية.

والإقتصادي الأمريكي Kenneth Arrow يقول أن فضيلة الصدق لها أهمية كبرى في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.

ولطالما أُعحبتُ بنظريّات المُفكر الأمريكي Samuel P . Huntington خاصة ما جاء في كتابه ( النظام السياسي في مجتمعات مُتغيرة ) والتي فسّر فيها أزمات الأنظمة السياسية وقال أن منسوب الثقة السياسية في دول الرفاه الإجتماعي يكون مرتفعاً وعالياً … أما في الدول التي تنخرها الهشاشة والفقر والمرض والبطالة وغياب العدالة الإجتماعية فأن منسوب الثقة يكون معدوماً.

ولعلاج ذلك لابد من تجديد العقد الإجتماعي بما يضمن بناء دولة ذات ثقة تكون قادرة على امتصاص الصدمات والهزّات المفاجئة.

وأن تعي المؤسسات داخل هرم الدولة أن الثقة بها ترتكز على تحقيق متطلبات الحياة الإجتماعية والمعيشية والمطلبّية وليس من مصلحة أي طرف فقدان المصداقية والثقة فيما بينهما.

التعليقات مغلقة.