ما يمكن قراءته على المسرح السياسي الأردني ومتى يَبلغ الأردنيون سن الرشد والنضوج السياسي ؟

389

بقلم  : المهندس سليم البطاينه

لا ضير بالخلاف بلا أختلاف ، وبغض النظر عن تضارب التحليلات والتفسيرات فلا زال الوقت مبكراً لتقييم مخرجات اللجنة الملكية للإصلاح لتحديد الموقف بالتفاؤل أو التشاؤم ، ومناسبة هذا الحديث هو أن الدولة عملت سابقاً وعلى مدار عقود طويلة من الزمن على أن يكون هناك شعباً بالمفهوم الإجتماعي فقط وليس بالمفهوم السياسي وتمّت دراستهم سيكولوجياً وتقسيمهم أفقياً وعامودياً .. وبإعتقادي أن الدولة لن تتزحزح عن ذلك المفهوم مهما حصل.

وهو برأيي مفهوم أعوج لا يتخذ من المنطق أساساً لفكر سياسي ، فقد تسبب في إفراغ الفعل السياسي من مضمونه ومحتواه ، وأدّى إلى إخفاق في المشروع التنموي وإلى عزلة الدولة عن المجتمع.

فقد كانت وظيفة النظام السياسي طوال العقود الماضية محصورة في خدمة المنظومة السياسية القائمة على التوريث بتقاسم مؤسسات الدولة ، عبر تجنيد مجموعة من أهل الثقة وليس من أهل الكفاءة لإدارة الحكم ، ودفعهم إلى تولي المناصب العامة في الدولة وقصرها واحتكارها عليهم فقط.

بحيث باتت معايير العمل السياسي في الأردن هي العيش من السياسة.

فللسياسة شهوة تفوق سائر الشهوات ، وزلة تُدحض بها سائر الزلات .. فقد وصفها عالم السياسة الألماني Max Weber في كتابه ( العلم والسياسة ) أنها حِرفة بين مفهومين .. الأولى : إما أن يعيش المرء لأجل السياسة .. والثانية : أن يعيش ويعتاش من السياسة ، والفرق بينهما يتعلق بالجانب الإقتصادي والمالي.

فالنموذج الثاني عملياً موجود في الأردن بكثرة ، فهناك احتكار لفئات معينة لمصادر القوة السياسية والإقتصادية .. فالسلطة في الأردن تلد السلطة للأبناء وتلد الثروة معها.

فالإحتكار السياسي عمل على إضعاف المشاركة السياسية وعلى انتشار ظاهرة الأنامالية واللاّمبالاة ، وعلى التنوع الطبيعي للأفكار والرؤى في المجتمع ، وأدّى إلى ظهور ما يشبه النظام الشمولي.

فللأسف فغالبية محتكري العمل السياسي في الأردن عجِزوا عن إحداث تغيير حقيقي في نمط إدارة الدولة ، خصوصاً في ظل عدم وجود جناح إصلاحي حقيقي داخل النظام يقود عملية التغيير والإصلاح بجرأة .. وهنا لا أفترض افتراضات وإنما أُعاين معطيات الوضع في جميع المجالات ( السياسية والإقتصادية والإجتماعية ) ، فالنظام السياسي الأردني بحاجة إلى فتح الجرح وتنظيفه من أي وقت مضى ، وبحاجة أيضاً إلى إصلاحات هيكلية تفوق مخرجات اللجنة الملكية.

فهناك مراحل معينة للتفكير ، وهذه المراحل تخضع لمنطق الذكاء ، وتحتاج إلى جهود استثنائية غير تقليدية تكون قادرة على تحقيق التوازن.

فالمحاسبة والرقابة على الأداء السياسي بشكل عام في الأردن كانت ولا زالت غائبة ، وأدًت إلى إفقار وفقر الإحترافية السياسية .. فالفضاء السياسي من المفترض أنه قائم على بنية تحتية عمادها المجتمع ومن دونه لا يمكن ممارسة العمل السياسي .. فتغيير الحقل السياسي يعتمد على تغيير في بنية وأدوار الفاعلين السياسين.

فالأنانية المفرطة والغباء السياسي أن يتم اعتبار الأردنيين غير ناضجين سياسياً .. فالتعامل مع هكذا مصطلح يُثير الكثير من الشك والغموض كونه جاء انتقائياً وسطحياً.

فالشعب ركن أساسي من أركان الدولة الوطنية ، والمواطنة لها أيضاً معنى متصل بما يمكن أن نسميه الشرعية السياسية.

فقد قال الشاعر الفرنسي Victor Hugo قبل مائتي عام ( أن جحيم العاقل أفضل من جنة غبي ، وكلفة الغباء السياسي باهضة وهي أعلى من مستوى العقم الفكري ) .. وهنالك مقولة وحكمة قالها المفكر اللبناني ( ميخائيل نعيمة ) لا يليق أن تتوج رأسك بحذائك حتى لو كان من الذهب .. انتهى الاقتباس.

فاللّقاءات التي نشاهدها على شاشات التلفزة والكتابات التي نقرأها في مواقع التواصل الإجتماعي أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها مراهقة سياسية واستفزاز واستخفاف في العقول.

ولعل السؤال المفترض أن يسأله الجميع من دون مواربة هو : متى يمكن أن يبلغ الأردنيين سن الرشد والنضوج السياسي ؟

والحقيقة أن الإجابة عن سؤال كهذا ليس بالسهولة بمكان .. فهناك مبدأ فلسفي يقول لا توجد إجابات سهلة لأسئلة صعبة .. فمتلازمة الغباء السياسي وحدها بلا حدود لا في الطول ولا في العرض ولا في الأبعاد الأفقية والعامودية.

التعليقات مغلقة.