فوضى السوق وانفلات الأسعار والحكومة في موقف المتفرج !!

206

المهندس سليم البطاينه

 

سبق وأن تناولنا هذا الموضوع وأكدنا مراراً على أهمية ثقل الحكومة في السوق لتحقيق حالة التوازن والإستقرار فيه .. فمن يتابع حركة السوق يجد فوضى كبيرة بسبب غياب أجهزة الدولة عنه ! فقد كشفت الأيام السابقة ( قبل شهر رمضان ) غياب دور الدولة عن حركة السوق في ضبط الأسعار وانخفاض الإقبال على الشراء.

وبذلك تركت الحكومة السوق في مهب رياح الأزمات وتحت أمزجة وجشع التجار والمستوردين .. ففي سوق بها أكثر من عشرة ملايين نسمة ، لا يمكن الرهان كثيراً على الدعوات التي تعتمد على أخلاق وضمائر التجار ودعوتهم إلى مراعاة ظروف الناس .. ففي مثل هذه الأسواق فإن الأساس الذي تقوم عليه الأمور هو القانون.

والسؤال : هل لدينا فعلاً أجهزة تستطيع مراقبة التجار الجشعين ، أم أن تلك الأجهزة تحتاج من يراقبها ؟

فالأسعار تسير في السوق في نسق تصاعدي لم تشهده البلاد منذ سنوات ، حيث حققت أسعار المواد الأساسية أرقاماً قياسية تجاوزت ١٠٠٪؜ لبعض السلع ، وارتفاعها أدى إلى تفاقم معدل التضخم.

والغلاء الفاحش والفقر ينهش في جسد المجتمع الأردني المُتهالك منذ سنوات ، والحكومة عاجزة ولاتهتم إلا بالأغنياء وتحصيل الضرائب الموحشة وفرض الرسوم ولا تحب الفقراء وتفتقر إلى خطط واضحة بشأن ذلك ، فقد تنصلت من مسؤوليتها تجاه حماية الفئات الفقيرة وباقي من تبقى من الطبقة المتوسطة.

فعلى حد قول الحكومة أنها اتخذت إجراءات صُنفت بأنها لتخفيف معاناة المواطن جراء غلاء الأسعار .. وقام مفتشوها بحملة خجولة لمراقبة أسعار السوق .. ويبدو أن الرقابة على الأسعار لم تؤتي ثمارها في السيطرة على الإرتفاع الجنوني والغلاء العام في الأسواق.

والسؤال المُضحك كيف للمواطن وحتى مراقب الأسعار نفسه أن يعرف سعرًا لم تتدخل الدولة لتحديده من الأساس ليجري الحساب على أساسه ؟

ففي الظروف غير الطبيعية يكون للحكومة دور مهم في توفير حاجة الناس وبالأخص الطبقات الدُنيا وأصحاب الدخل المحدود ( الطبقة الوسطى) من خلال توفير مواد وسلع ضرورية وجيدة عبر منافذ متعددة تابعة للدولة لتحافظ على استقرار الأسعار.

وبعيداً عن أزمة ارتفاع الأسعار وأسباب تعرض الطبقة المتوسطة للضغط تلو الآخر ، هناك استحقاق حكومي حقيقي للمحافظة على هذا المكون ورعايته وتنميته لأهميته اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً .. لذلك يتعين على الدولة الحفاظ على ديناميكية نموها ، وهذا بالتأكيد سيساعد على حفظ التوازن الاقتصادي في الدولة، علاوة على ذلك يجب على الدولة أن تعمل لزيادة حضور أبناء هذه الطبقة وظيفياً في مؤسسات الدولة وفي القطاع الخاص من خلال صناعة الفرص التشغيلية التي يمكن أن تزيد الطلب عليهم وليس من خلال البطالة المقنّعة.

وهناك قاعدة اقتصادية واجتماعية وسياسية مفادها بأن الطبقة المتوسطة في أي بلد تُشكل حجر الزاوية في النمو ، فهي تزيد من الطلب على السلع والخدمات المحلية ، وتساعد في دفع النمو الإقتصادي الذي يقوده الإستهلاك .. كما تُشارك في نمو الأعمال بحصة استثمارية .. وتلعب دوراً بارزاً في تحريك عجلة الإقتصاد والتعليم بحكم ما لديها من الموارد اللازمة للإدخار والإستثمار في تعليم أبنائهم مما يصب في مصلحة رأس المال البشري .. لكن من الواضح أن معدلات رواتب الطبقة الوسطى لا تنمو بالمعدل نفسه المسجل للتضخم مما أوجد هامشاً بالسالب لصالح زيادة الإنفاق على الدخل.

فالواضح أن أرقام الفقر في الأردن باتت صادمة ، والحكومة تتحفّظ على تلك الأرقام ولا تعلن عنها ، ولهيب الأسعار يُرهق كاهل الأردنيين ، واتساع فجوة الفقر تعم كافة مناطق المملكة ، وكافة الحكومات في الأردن لا تُحب الفقراء وكانت دومًا في موقف المتفرج لا تُحرك ساكناً ! والأزمة الإقتصادية لا يدفع ثمنها سوى الفقراء الذين لم يعودوا قادرين على توفير قوت يومهم خصوصاً مع استمرار الإرتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية.

وهذا الارتفاع تزامن مع تراجع القوة الشرائية للمواطن نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد ، وارتفاعها عالمياً وانعكاسها محلياً يتطلب فوراً تخفيض الضرائب والجمارك والرسوم المفروضة على المواد الغذائية لا على البرايات والمحايات ، وتعزيز الرقابة على الأسواق لوضع سقوف سعرية على السلع التموينية الأساسية ، وتسريع تنفيذ المشاريع التي قد تُعزز الأمن الغذائي بدعم قطاعي الثروة النباتية والحيوانية .. وزيادة البرامج الإجتماعية التي تُعالج الآثار السلبية لأي برنامج حقيقي قادم للإصلاح.

عمومًا إن الحياة الحرة الكريمة هي حلم كل أردني ، لكن للأسف الواقع الحالي الذي نعيشه أطاح بهذه التطلعات ، فالفقر والبؤس سمة الشارع الأردني ، وارتفاع الأسعار الجنوني هي ضربة موجعة للمواطن ولمستوى معيشته المتردي أصلاً ، وهو ما سيدفع المزيد من الأردنيين إلى مربع الفقر القاتل ، وسيكسر ما تبقى من بقايا الطبقة المتوسطة.

التعليقات مغلقة.