الدموع تبحث عن دموع حزناً عليك يا شيرين .. والجنة أبوابها مفتوحة لك

224

المهندس سليم البطاينه

من الصعب أن أرثيك يا شيرين في بضعة أسطر … أتعرفي أني لا أعرف ماذا أكتب وكيف أكتب ، ومن أين أبدأ ، وأين أقف ؟ كنت فكرت بعدم الكتابة لأني لا أعرف كيف أستجمع قواي ، وكيف أكتب نهاية حبنا لك.

إني أعرف ويعرف الجميع لماذا قتلوك ، فهذا هو سلوكهم وحالهم وهذه هي فطرتهم ، سفك الدماء ، فقد درجوا على ذلك منذُ ٧٤ عاماً ، فسجلهم الدموي حافل بحق الأبرياء .. هؤلاء هم الصهاينة الذين يسري الشر في عروقهم والخبثُ في شراينهم.

نعلم أنه برحيلك ذهبت الكلمة الصادقة واندثرت الحقيقة ، فبِقدر ألمنا وحُزننا وقهرنا على فقدانك ، إلا أن عزائنا الوحيد أنك استشهدتي في ميادين الشرف ، فأنت المحاربة وفارسة الكلمة عن جدارة والصوت القوي في نقل الحقيقة.

ما أرهب الموت وما أحقه وأمرّه وما أقساه ، فقد عودتنا الدنيا على أن نودع أحبة .. هكذا هو الموت لا يزال يمارس طقوسه الموجعة في سرقة أحبتنا .. فقد استشهدت شيرين في ساعة لم يحتسبها الزمن ، وأدخلتنا في غيبوبة عميقة أخذتنا إلى مكان بعيد ليس بوسعنا إدراك حدوده.

ولعلها معادلة في غاية الغرابة أن تُقتل شيرين لكونها دافعت عن الحقيقة ، فأصعب موقف أن تتحدث في شخص قُتل بقوة القرار الذي لا نملك له دفعاً ، فإسرائيل قررت بكامل أجهزتها أن تنتقم من شيرين لتضاف إلى سجل جرائمهم المتورمة.

وقفت شيرين شامخة الرأس واستقبلت الموت الزؤام راضية ، واختارت عفافها وطُهرها على العيش في عالم مسعور .. فهناك ممن تصهينت أرواحهم ووجدانهم ، وباتوا يتسابقون على التطبيع والخيانة.

من يواسينا فيكي ؟ الحزن يخيم علينا فقد بكينا حزنًا لأجلك ، لقد أدميتي قلوبنا وشغلتي حيزاً كبيراً في عقولنا ، وانحنت ظهورنا لفقدانك .. إنك شهيدة العفة والطُهر ، أدميتي قلوب كل من أحبوكي.

لأنك تحسي بنا فقد أحسسنا بك وأحببناك فقد وجدنا في حبك صدق الكلمة .. فالحب يأتي دون سبب ، ولا يأتي بمال ولا يؤخذ بجمال ، ولا يُقاس بعمر فهو قدر ، فسلام عليكي يوم ولدت ويوم استشهدتي ، وعلى روحك الطاهرة النبيلة صاحبة الرسالة.

شواهد كثيرة تجعلنا نتألم لفقدانك ولم نعتد أن نشاهد الشاشة بدونك ، فلم تكوني مجرد صحفية أو مراسلة أخبار ، فأي الكلمات من حديثك سنختار لنتغنى بها ؟

ترجلت شيرين وغادرت إلى مثواها الأخير ، ومضت إلى لقاء ربها صامتة .. فعلى مدار ٢٥ عاماً لم تخلف شيرين أبو عاقلة موعداً عن معركة مع المقاومين والمرابطين دفاعاً عن فلسطين والأقصى ، ودفاعًا عن كرامتنا جميعاً .. فقد قضت نحبها في الصف الأول على جبهة القتال تذود بجسدها وعدستها وصوتها عن مخيم جنين ، تحمي السكان العزّل من همجية الصهاينة وجنود الإحتلال.

أرجوكم لا تنشغلوا بإصدار صكوك الجنة والنار ، فلا أحد يقرر من يدخل الجنة ومن يدخل النار غير الله عزّ وجل ، وكفاكم تشويهاً للأديان .. من الذي أعطاكم الحق بتصنيف الناس هذا إلى الجنة وهذا إلى النار لتشاركوا الله في صلاحياته وتصدروا القرارات والأحكام وكأن مفاتيح الجنة والنار في جيوبكم.

هذه النهاية هل من يجادل انها أسمى مراتب الشهادة ؟

التعليقات مغلقة.