محمد حسن التل يكتب: إيران بين الخارج والداخل

20
كتب محمد حسن التل

منذ ثلاثة وأربعون عاما ، تاريخ سيطرة الملالي على إيران ، وهي تسير على صفيح ساخن ، فمن المقاطعة الدولية السياسية إلى الحصار الإقتصادي الخانق ، يتوسطهما الحرب مع العراق ، وهذا الوضع الخارجي يقابله وضعا داخليا معقدا ، فتغيرات كبيرة وعميقة طرأت على تفكير الشعب الإيراني الذي أرهق من ضيق الحصار وضغط المقاطعة .

لم ينتبه الحكم في إيران إلى مصالح المواطن الإيراني ، بل صب كل اهتمامه منذ البداية على مبدا تصدير الثورة واستعداء محيط إيران العربي بسبب التدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية عديدة خصوصا في الخليج العربي إلى حد وصل بها اعتبار كل مواطن عربي شيعي مسؤوليتها ، ثم جاءت قصة السلاح النووي الذي زاد الضغط على الشعب الإيراني نتيجة ذهاب معظم الدخل القومي على هذا الملف الذي اعتبره المواطن الإيراني لا فائدة منه سوى زيادة الضغوط الداخلية والخارجية عليه .

لم ينتبه الحكم الإيراني إلى أهمية محيطه العربي ، الذي كان من المفروض أن يبني معه علاقة طبيعية حتى يكون عمقا استراتيجيا لإيران ، بل راح كما أشرت يؤزم العلاقة ويتدخل في شؤون هذه الدول خصوصا على المستوى الأمني .

إيران اليوم تواجه اضطرابات داخلية وهذه ليست أول مرة تحدث مثل هذه الاضطرابات ، وهذا يؤشر إلى وصول قطاعات كبيرة من الشعب الإيراني بأن الحكم لديهم لا يلبي مصالحهم ، وأن الضيق الاقتصادي وصل لحد لا يمكن احتماله، إضافة إلى حقيقة تاريخية هامة أن الثورات الأيدولوجية لها عمر افتراضي ، فمرور أكثر من أربعين عاما على الثورة في إيران يعني أن أجيالا جديدة وعديدة ولدت وكبرت لا يعنيها حكم الإمام أو المرشد وتتطلع إلى حياة طبيعية كباقي شعوب الأرض بدون ضغوطات أو مقاطعة من العالم ، فالشباب الإيراني تعب مما يتعرض له من إقصاء أينما ذهب ومن تلك الشبهات التي تدور حوله أينما حل نتيجة مواقف الحكم في إيران ، إضافة إلى أن منظومة الحكم هناك بدأ يظهر عليها منذ سنوات إشارات انقسام واضحة تحت عنوان إصلاحيين ومحافظين والأمر على أرض الواقع أكبر من ذلك بكثير .

الحكم في إيران اليوم يلعب على ما يسمى بالملف النووي ، الملف الذي بات من المرجح أنه انتهى فنيا مع أمريكا ، ولكن الصراع التفاوضي يجري على امتدادات إيران في المنطقة فهي موجودة في سوريا ولبنان والعراق واليمن ، وتسخر هذا الوجود لمصالحها مع الغرب لانتزاع ما تريد .

إيران اليوم تتهم أمريكا وحلفائها بأنهم خلف الاضطرابات التي تحدث في الداخل الإيراني ، فكان الرد منها إفشال تمديد الهدنة في اليمن ، خصوصا أن أمريكا نجحت بطريقة ما بحلحلة ملف الحدود المائية بين لبنان واسرائيل ، وفي المقابل ستستمر إيران بتعقيد ملف الرئاسة اللبنانية وستعقد عملية تشكيل الحكومة العراقيةأكثر .

الصراع الحقيقي بين أمريكا وإيران يدور على النفوذ بالمنطقة ولا علاقة للملف النووي الذي من المرجح بشكل كبير قد انتهى فنيا منذ شهور ، والإشارات التي تأتي من واشنطن وطهران تشير إلى ذلك وإن كان بشكل خجول ، والتصعيد الإسرائيلي إزاء هذا الملف أيضا يأتي من أجل تقليص تفوذ إيران في المساحات التي تلعب بها والتي تعتبرها إسرائيل خطرا على أمنها .

الإيرانيون مثلما يتقنون فن الصدام ، يتقنون فن التراجع التكتيكي ، وسيفعلون ذلك في صراعهم مع أمريكا خصوصا أنهم يعلمون أن تحالفاتهم مع الصين وروسيا ليست متينة ، ومن السهل انفكاك هذه الدول عن هذا التحالف حرصا على مصالحها مع الغرب ، كل هذا والشعب الإيراني يدفع أثمانا باهظة لهذا الوضع وهو يرنو اليوم إلى أن تكون حياته طبيعية وعلاقاته مع الجوار والعالم مبنية على الثقة والمصالح المتبادلة فقط ، فقد تعب على مدار نصف قرن من مغامرات الملالي الذين تملأ رؤوسهم رغبات ومشاريع لا يمكن تحقيقها .

اترك رد