البطاينة:تبدل الخارطة السياسية في العراق وصعوبة في قراءة المشهد السياسي بعد رحيل الكاظمي

61

كتب المهندس سليم البطاينة…

لا أخفي أعجابي بشخصية رئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي الذي وُصِف برجل اللحظة وصاحب الشخصية والعقلية البرغماتية، رغم أنه لم يكن يمتلك شرعية انتخابية وجاء بالتعيين.

لكن أهم ما يجب رصده في الخارطة السياسية العراقية بعد رحيل الكاظمي هو مدى تغيّر خريطة الفاعلين السياسين خلال المرحلة القادمة … فالتغيير في رأس السلطة التنفيذية عادة ما يؤدي الى تحولات وتبدّلات في الخريطة السياسية والى تغير في شكل التحالفات بشتّى أشكالها.

ولكي نكون أكثر دقة، ولكي لا يكون الحديث عاماً فهنالك صعوبة في قراءة المشهد السياسي العراقي، ومن غير المعروف هل سيأخذ رئيس الوزراء العراقي الجديد (محمد شياع السوداني) مساراً منحرفاً بصورة كاملة عن خط زميله السابق الكاظمي.

وأغلبية الدول كما هو متعارف عليه تُحكم من جانب مؤسسات وليس أفراداً ، وبالتالي فإن تغير رأس الهرم في دولة ما لا يعني أن الدولة ستغير من مسارها سياسياً أو أقتصادياً أو أمنياً … ومن المفروض ان العلاقات مع العراق ترتكز على اتفاقيات ولا تتأثر برحيل ابو بقاء أيٍ كان ، بل يتم التعامل معها وفقاً لأتفاقيات وُقّعت سابقًا وتم الالتزام بها.

فالشرق الاوسط تتنازعه مشاريع سياسية واقتصادية وعسكرية ولكل مشروع بالتأكيد أهداف ومرامي وآثار ايجابية وسلبية يمكن ان تكون متفاوتة بحسب طبيعة كل تكتل من جهة وبحسب ظروف كل دولة داخل التحالف من جهة اخرى … فالتحالف المصري العراقي الاردني جاء برعاية امريكية لتعزيز الادوار الإقليمية لكل دولة ، والهدف منه هو زيادة التعاون الاقتصادي لا سيما ان القاهرة وبغداد وعمان جميعهم في وضع اقتصادي صعب جداً.

خصوصًا في ظل واقع سياسي متشابك الخطوط داخل الإقليم حيث باتت المواقف السياسية مسألة غير ثابتة بل قابلة للتبدل والانتقال من اليمين الى اليسار، فالمؤشرات الاقتصادية في دول الحلف ( مصر والعراق والاردن ) تُشير الى عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وإلى تزايد ملحوظ في مستوى الفقر وانخفاض مستوى الخدمات العامة نتيجة تراجع معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي ارتفاع خطير في نسب البطالة.

أردنيًا مرت سنوات طويلة والاردنيون يحلمون ويوعدون بالنهضة والرخاء ! ولكن في جميع المرات خابت الآمال وتحطمت الاحلام نتيجة حسابات خاطئة وخطط ارتجالية واداء هزيل لنخب نرجسية، وضاعت على الأردن فرص عديدة وظلت تُراوح مكانها بسبب ضعف ذاكرة الاردنيين وغياب ثقافة التقييم والمحاسبة ، فلا احد يتحمل مسؤلية أخطائه ، والكل يتفنن في التنصل من المسؤلية بحيث تمت ادارة امور البلاد بالترقيع والمسكنات، وعندها أخطأت الأردن طريق النهضة ولم تتغير السياسات وبقي الحال على ما هو.

فالمصالح الاقتصادية باتت تلعب دوراً أكبر من أي وقت مضى، وأصبحت قضية أستغلال الامكانيات والقدرات الاقتصادية الشغل الشاغل لدول العالم، فتنويع الانتاج بطريقة اقتصادية سيحمي اقتصاديات دول الحلف من بعض الانتكاسات والتقلبات وانتشال دولها من دوامة التدهور الاقتصادي الحالي.

والتشتت الجغرافي الاقتصادي لا شك أنه يحمل مخاطر متفاقمة، وان إعادة توزيع أوراق القوة يستند فعلاً وبقدر كبير إلى المعيار الاقتصادي، والمصلحة تقتضي البحث عن الطرف القوي الذي سيدعم اقتصادنا من خلال اعطاء الدبلوماسية الاقتصادية أولوية رئيسية وهذه فرص لا تتكرر، حيث يُنظر للتحالف الاقتصادي الأردني مع العراق على اعتبار انه بديل للمساعدات العربية التي كانت تتلقاها الاردن خلال العقود الماضية ، والتي تضاءلت بشكل غير مسبوق خلال السنوات السابقة ما بعد المنحة الخليجية الاخيرة ( ٣،٦٥مليار دولار )، وهذا ما حدى بالاردن بتجاوز كل الابعاد السياسية والمحددات والتعقيدات بالخروج الهادىء من الاعتماد على مساعدات الدول الخليجية واقامة تحالفات جديدة، رغم أن الاردن تجاوز مرحلة العلاقات الفاترة مع السعودية، فهناك مؤشرات على تحسن حذر للعلاقات بين عمان والرياض.

فاذا فعلياً تغيرت الخارطة السياسية في العراق ، فلابد من إعادة ترتيب الخلافات ومركزيتها … واعادة صياغة الاتفاقيات والتاكيد عليها من جديد، لوضع خارطة طريق ورصد التقدم في ادارة المخاطر … فالخوف من أن تكون الخارطة السياسية العراقية مفتوحة على التغير وإعادة التشكيل.

اترك رد