هل القادم أفضل للأردنيين ؟

244

كتب : المهندس سليم البطاينه

الاردن اليوم  – يقول الكاتب والروائي العربي السوري الراحل ( حنا مينا ) حين كانت تسألني أمي : ماذا تكتب يا حنا ؟ كنت أكذب عليها وأقول قصة القديس بولس ( بولس هو فيلسوف المسيحية ) ، فترسم أمي الصليب على صدرها وتقول لا تنسى أن تطلب منه أن يغير حالتنا التعيسة ،،، وهكذا كنت انا وأمي ننشد الشيء نفسه ! أمي كانت تطلبه في السماء وأنا كنت أطلبه في الأرض.

 

وعادة ما تبدو الإجابات على السؤال أعلاه ذات طابع خيالي ، إما غارقة في التفاؤل ! أو على النقيض إجابات غارقة في السوداوية تنظر لمستقبل مليء بالمشكلات والأزمات ! وناظِرةٌ إلى البؤس الذي نعيشه أفضل بكثير مما سنشهده بعد سنوات بناء على ما هو متاح بين إيدينا.

 

فعندما نعيش حالة عدم الأستقرار ( اللاستقرار ) لا يتبقى ملامح لأي مستقبل لنا أو للأجيال القادمة.

 

وفي زمن أكثر ألفة من هذا كان الناس يرددون بيت شعر شهير للشاعر التركي ( ناظم حكمت ) : أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد ،،،،،،، ومنذُ أيام استوقفتني أم كلثوم وهي تغني على شاشة روتانا كلاسيك أغنية أغداً ألقاك للشاعر السوداني الراحل الهادي آدم ، حيث حملت أم كلثوم بين نبرات صوتها كماً من التفاؤل الجميل العذب لغد قادم لا محالة ،،، لكننا في الأردن ،كم من غدٍ انتظرناه ولم يأتي ، وكم لقاء رسمناه وخذلنا.

 

لكن يا ترى ، ما الذي يخيف أيامنا نحن الأردنيين من الغد ؟ ألا يأتي الغد ؟ أو يأتي الغد ولا يحصل اللقاء ، ولا يتحقق المنتظر في علم الغيب ؟ أو يأتي هذا الغد بخيبة أمل لا نتوقعها ،،، وكُلنا نفكر في ايامنا القادمة المنتظرة ، لكن يبدو أن قدرنا أصبح الانتظار على رصيف محطة الايام ! فالأمال الكبرى تنتهي عادة بأحباط أكبر ! خصوصاً إذا كانت الآمال هشه.،،، فحديث الساعة اليوم وكل يوم ، سواء كان هذا اليوم الأمس أو الغد : هل أجمل أيامنا لم تأتي بعد ؟

 

علينا ان لا نجزع من قول الحقيقة المحضة والمرة في آن واحد ، فللأسف فقد بقي انتظارنا للغد وهماً وهروباً من حاضر موجع ! حيث تمضي السنوات الطويلة بطيئة خائرة القوى نحو مستقبل لا تُنذر بشائره بأفق قريب.

 

إن تنامي الاحتجاجات الشعبية هنا وهناك ليس وليد الصدفة فهو ناتج عن ضعف وفشل المؤسسات السياسية والتشريعية والخدمية.

 

فمنذُ أحداث الربيع العربي والأردنيون يترقبون ان تتغير أمور بلادهم للأفضل ، وهذا لم يحصل ! فلا شيء تغير ، سنة تلحق أختها ، والوقت ليس له قيمة ! وكل شيء مؤجل والمواعيد لا تنتهي ! وكل مشاريعنا معطلة ولا نحصد إلا مزيداً من التراجع على كافة المستويات … فالسنوات العجاف السابقة شهدت فساداً مُركباً تلوث به الجميع.

 

فعندما نرى شوارع متهالكة وتعليم رديء، وصحة مريضة، وتنمية مفقودة ، ونقل مأسوف عليه ، وتراكم للثروات لدى الاوليغاريشيات الغير خاضعة للمسائلة نعرف ان الفساد مر من هنا.

 

وإذا أعدنا استنطاق التاريخ الان : نجده يقول لنا بين يوم وماضٍ ليس بالبعيد كان لنا كل شيء ،،، وكل شيء ، فلدينا مستقبل جاء مرات ومرات ولم يجد أحداً في استقباله.

 

قد تزعج نرجسية البعض ان ما يحدث في الاردن من تردي في كل المجالات هو نتيجة فشل السياسات التي رهنت أقتصاد البلد وسياسته لإرادات خارجية ! وبقيت تعتاش على مساعدات بطريقة طفيلية وبشروط سياسية.

 

فالاردن الذي دخل مئويته الثانية يشهد يومًا بعد يوم هبوطًا حادًا لشرائح اوسع الى العيش تحت خط الفقر ، وما زال شعبه يعاني من الفقر واعتلال الصحة … فسبعون عاماً من عمر الدولة وما زلنا نعيش على ابواب المجتمع الدولي والدول المانحة ،،،،،، وها هي الاردن حالياً جاثمة على الارض تنتظر وتستجدي الهبات والمساعدات والقروض.

 

إن السياسات الفاشلة عبر سنوات أدت إلى إغراق البلد بالمديونية ، وأفشلت جميع مؤسسات الدولة وقطاعاتها الأنتاجية ، ودمرت جيل كامل ، وجعلت منه عبئاً قد ينفجر في أي لحظة ،،، فتدمير الطبقة الوسطى الحاملة لمشاريع التغير أسّس الى الأستلاب والاغتراب ، وساهم في تعميق ثقافة الخوف ، وفقدان الدولة لحواضنها الاجتماعية.

 

فالاقتصاد الذي يعتمد على الدين من اجل رفع نموه وتسديد فوائد ديونه لن ينهض بالبلد بتاتًا وسيفضي إلى كارثة قادمة لا محالة ، فكل يوم تزيد الديون ويزداد العجز وجيبة المواطن دائماً الحل الذي تلجأ له الحكومات.

 

ولقراءة أكثر عُمقاً لحال الاردنيين فقد حان الوقت بأن نعترف ان السنوات الماضية كانت بالنسبة لنا مؤلمة الى درجة فقدنا الاحساس بالألم ! وأصبح الموروث المأساوي للسنوات السابقة عبئاً ثقيلاً لن تتمكن الأجيال القادمة من تجاوزه أو التخفيف من حمولته.

 

إن الفكر الأناني المتبجح بالعناد والتكبر يُعتبر المسؤول الاول عما يحدث في الأردن نتيجة صُنع العقل السياسي المريض.

 

فصُنع السياسات يتطلب الفهم الدقيق لمختلف العوامل المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر ، لصنع سياسات تنهض بالاردن وتحسن من وضع الناس.

 

وفي لحظةٍ ما يكون من المهم نبش الذاكرة استجابة لتحدٍ معين ! فرجل الدولة الذي يخطىء في قراءة الواقع من حوله هو أحادي الرؤية ،،، فهناك أحداث تصنع قادة ، وهناك قادة يصنعون الاحداث ! لكن ما يعنينا هم أولئك الذين يصنعون ولا يُصنعون.

 

الأمر الذي مهّد الطريق لصبيان السياسة وقوارض الارتزاق لإمتطاء صهوة محفل ليسوا أهلاً له ! وتسيّدوا مشهداً هم اقل بكثير ان يتسيدوه ! فلوّثوا وشوّهوا مفاهيم كثيرة ! وعاثوا في تدمير البلد ،،، فهم لا يفقهون ألف باء السياسة ! ولا يعرفون معنى المسؤولية الوطنية التي عليهم القيام بها ،،، ونتج عن تلك الصناعة فجور في الخصومة ، وأستمرار في المعارك العبثية ، الامر الذي جعل حال البلاد والعباد كالهارب من تحت الدلف الى تحت المزراب ! ولا احد يعرف الى اين نحن ذاهبون ؟

 

ولا أريد هنا أن أدخل في نفق اليأس اللامتناهي حتى لا أصاب بالمزيد من الاحباط ! فقد أُغلق حساب الافواه التي نادت بالمحاسبة والتغيير وبقي الامر كما هو عليه والدولة في أمسّ الحاجة الى قرار جراحي ! لكن المعضلة أنه لا يوجد جراح يقوم بالعملية ،،، فليس لدينا غير “تمرجّية” ومضمّدين

 

واجدني اليوم في حاجة الى التمعن في وصف صديق لي للأردن : أنه بجمال يوسف ، وحُزن أبيه ، وفساد أخوته.

 

فهل تعرفون ماذا سيأتي به الغد بعد هذه الكوميديا المظلمة أم أنكم تائهون في تفاصيل أخرى ؟

 

فَيا ليتكم تقلقون كما نقلق على الغد.

اترك رد