لماذا أصبح النُصح والنَقد في الأردن بمثابة المُحرم ؟ هل تعي الدولة أن المؤسسات الرقابية والحقوقية ومراكز الدراسات والابحاث تحمي الدولة والنظام ؟

141

كتب : المهندس سليم البطاينه

الأردن اليوم  – في آخر زيارة لي الى لندن حدثني صديق لي (سياسي سابق ) مغترب يعيش في بريطانيا أنه التقى قبل أكثر من عشرين عاماً عالم الدين الشيعي

( عبدالمجيد الخوئي ) رئيس مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن ، وهو أبن المرجع الديني أبو القاسم الخوئي ،،، والحديث هنا للخوئي أن ( سر قوة الهاشميين في الأردن هو عدم بطشهم بمعارضيهم ، فبقيت المعارضة بيد العقلاء ، بينما بطشت باقي الأنظمة في الشرق الأوسط ودول العالم الثالث بالعقلاء فملأ الفراغ المتطرفون و الفوضويون ). انتهى الاقتباس

الاردن وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها أنه لم يشهد في تاريخه أيّة جريمة سياسية بتصفية أو أعدام معارضين.

لكن  ما يحصل حاليًا من محاولة تكميم أفواه الناقدين العقلاء ستفتح المجال لغير العقلاء في تعبئة الفراغ ،،، فمن يوجه الإنتقاد للدولة أو حتى لمؤسسة الحكم فهو يؤمن بشرعية النظام ويأتي انتقاده لرفضه السياسات القائمة التي لم تحقق طموحات الناس ،،، فالنظام السياسي العقلاني والذكي هو الذي يوفر الأقنية والأُطر المؤسسية لقيام معارضة وطنية يقوي بها المجال السياسي ،،، وإن أخطر شيء على أي نظام سياسي هو حالة الفراغ السياسي في مركز المعارضة ،،، فذلك الفراغ يحدث أحياناً هزات اجتماعية غير متوقعة.

فلا يعقل أن نتغنى بالديمقراطية وحرية التعبير وإدعاء إتاحتها ، وبنفس الوقت نُمارس الإقصاء وكف اليد وإنهاء خدمات كل من يخالفنا الرأي ! أو لا تتسع فضاءاتنا إلا للون واحد ؟ أو نمارس حياداً مائعاً تضيع معه الحقائق ويتشوه عبره الوعي العام.

إنني أجد صعوبة كبيرة جداً في فهم ما يحدث من تشنجات سياسية غير عقلانية وغير مقبولة ! فليس كل ناصح هو ناقد ،،، ولا كل ناقد هو معارض ،،، ولا كل معارض هو خطر على الدولة والنظام ،،،،،، فعلى ما يبدو أن هناك من يمتلك أدوات مانعة ومصدات قوية تقف في وجه المؤسسات الرقابية والحقوقية المستقلة في الدولة يمنعها أن تؤدي دورها المطلوب.

فعند أي محطة أخطأ المفوض لحقوق الإنسان علاء العرموطي ؟ والدكتور زيد عيادات رئيس مركز الدراسات والأبحاث في الجامعة الأردنية ؟

فما زال الكثيرون يجادلون في مسألة غياب النُضج السياسي في الأردن ! وعندما يحتدم النقاش حول قضايا كبرى تمس مصالح الوطن والمواطن ومستقبلهما السياسي معاً ،،، يكون القرار محل كثير من الدراسة العميقة والحكمة لما سيترتب عليه من آثار تدخُل في صُلب الممارسة الديموقراطية.

إلى متى ستبقى كل حواراتنا غبية ؟ ولماذا لا تُطرح قضايانا بهدوء ودون تهويل أو انتقام ،،، فالأقوياء وحدهم الذين يستشعرون الأخطار وينفذون إلى المستقبل.

فالحكومة ليست مُحصنة ضد النقد والشكوى ، والوقوف بجانبها ليس ضرورياً إلا بقدر الرضا عن جهودها ، لأن المواطن يتضرر بأشكال شتى من طريقة أدائها مما يجعلها هدفاً ، حيث تتلقى سهام النقد بقدر أدائها ، فالعلاقة معها دوماً جدلية تدور حالاتها بين دفتي الرضا والسخط.

وحين نتأمل مشهد القوة الكاسرة التي تستخدمها الدولة وحالة الغلبة والقهر الذي تمارسه مع خصومها سترى أن ما يحدث أمامك يتجاوز فكرة السيطرة على موقف ما أو منع حدث ما ! فقدر القوة المستخدم يفوق كثيراً ما هو مطلوب.

فنحن إذًا أمام مشهد المقصود منه كسر الارادة.

فالأقصاء وكف اليد بات ليس بالأمر المستغرب في الاردن ! والجرأة باتت ايضاً ليست كافية وحدها لحماية صاحبها من أي خطر وتعسف ،،، فالدولة لا تقبل من ينتقدها ولا تقبل ليَّ الذراع بأي شكل من الاشكال ،،، والإقصاء بسبب الانتقاد أو الرأي عقابي وغير مبرر ،،، وبإعتقادي أنه لا علاء ولا زيد كانوا يتوقعون ما حصل لهم !

والغريب أننا لا نشعر بخطر الانتقام الذي ينتهجه البعض لمجرد الانتقام أو الاختلاف ! بل أصبحت خصومة بلغت مرحلة الحقد الأعمى والكراهية ولا علاقة لها بالرأي والرأي الآخر أو بالعمل السياسي أو الرقابي الحقوقي.

فالأشياء ليست كما نراها دائماً ! فهناك منطقة رمادية باتجاه الدولة أو عكس أتجاه الدولة ،،، والحق على ما يبدو دربه في الاردن صعب ومحفوف بالعراقيل !

ومن المؤسف أن يصبح النقاش والرأي السياسي في الاردن لا يقارب أصل المشكلة ،،، والناظر إلى واقع الأردن الحالي يتساءل : لماذا تسوء حالة البلاد من يوم لآخر ؟ والوضع الراهن يطرح أيضاً علامات استفهام حول قدرة الدولة على وقف تدهور مستويات معيشة الناس الذين أصبحت مؤشرات التفاؤل لديهم صعبة المنال.

يجب أن نعرف أن الدولة لا تمتحن ولاء أبنائها ،،،، فالعلاقة بين الدولة من جهة وبين الشعب وهيئات المجتمع المدني من مؤسسات رقابية وحقوقية من جهة ثانية تُعد الإطار المرجعي لشرعية الحكم والسلطة ،،، وهي المرتكز لفاعلية الدولة ومؤسساتها ،،، وهنا لابد أن أن نتبه جيداً إلى هذه الظاهرة وإعادة الأمور إلى نصابها ووضعها الطبيعي ومعالجة سوء الفهم بحكمة وتأني واقتدار ،،، فالحريات هي الرافعة الأساسية لنهوض الدولة.

اترك رد