خرائط دبلوماسية وجغرافيا سياسية تتشكل حول الأردن

خرائط دبلوماسية وجغرافيا سياسية تتشكل حول الأردن

26

ليست هناك حاجة لشرح نوع الجغرافيا السياسية التي نقع فيها ، يكفي وضع خريطة المنطقة والاقليم امامنا والنظر الى موقع الاردن والى ما يحصل حاليًا ،،،، فقد أصبح لدينا اليوم بعضٌ من الثقة لنقول ان الاقليم تغير تغييراً أساسياً وهذا التغيير سيزداد عُمقاً مع الزمن ولن يخف ، وأن هندسة العلاقات الدولية والاقليمية تغيرت على نحو غير مسبوق ، وبدأت تأخذ شكلاً مختلفاً على غير ما استقرت عليه أدبيات تلك التكتلات والأحلاف في القرن العشرين وما قبله ، ولم تعد التجمعات الاقليمية القديمة قادرة على توجيه السياسة الدولية أو التوجهات الاقليمية

نحن جزء من هذا الإقليم ، وعلينا ان نفهم ما يدور حولنا ، ويجدر بنا ان نقرأ الواقع بكل جدية وحزم ،،، فالتحالفات الجديدة من حولنا تتطلب ان نعرف : اين نحن ؟ وأين موقعنا ؟ والمؤشرات والاستدارات التي نشاهدها حولنا لا يمكن تجاوزها ،حيث تبدلت تحالفات واختلت روابط واستبدلت فيها مصالح.

إذًا نحن في الأردن أمام دنيا جديدة لم تكن معروفة لنا ، وأمام منهج جديد يتسم بالمنطلقات الاقتصادية والسياسية سيقلب المشهد رأساً على عقب.

الإقليم في حركة سريعة والمنطقة بشكل عام تشهد كل يوم مشهداً يمكن وصفه بـ المشهدية الغير متوقعة، والظروف اختلفت والاوضاع تطورت وأصبحت الدولة الوطنية هي الأهم أولاً وثانياً لدى أصحابها.

في مقالي هذا احاجج بضرورة النظر عبر عدسة الحس ( Affect ) المفقودة لدينا، فقد كثُر الحديث عن التحالفات والمحاور ، وبرزت مصطلحات جديدة لا تخلو من بُعدها السياسي ، وأخذت مساراً جديداً بإعادة ترسيم خرائط دبلوماسية تُصاحبها إزاحات جغرافية ، ورأينا وتيرة استبدال التحالفات تتسارع لتعيد رسم المنطقة بشكل مختلف عما كانت عليه لعقود.

حتى لا نكون عاطفيين ، علينا ان نشاهد كل تلك المتغيرات من حولنا ، ومن الجغرافيا السياسية التي تتشكل من خلفنا وتجري من حولنا تحاول ان تذهب بنا بعيداً لم نكن نتوقعها ،، فالتفتّت الجغرافي الاقتصادي في المنطقة سيقسم الاقليم الى تكتلات اقتصادية متنافسة ، وسيؤدي الى انقسام خطير من شأنه ان يجعل الجميع أكثر فقرا وأقل أماناً.

كل تلك المعطيات المتقاطعة قد تدفع بنا الى الإسراع في الإجابة عن سؤالنا بالقول : إن ما تشهده المنطقة العربية في الوقت الحالي عبارة عن نمط رمادي لإدارة العلاقات العربية بين الدول ! يعتمد على مبدأ المصالح المشروطة بين عدد كبير من دول الإقليم.

المسرح السياسي العربي يشكّل مختبراً متقدما لمستقبل التحولات السياسية القادمة ، والوعي العربي الراهن يعيش في حالة تراجيديا ، فهنالك قضايا لا يمكن تجاهلها ، وهناك مشكلات لا يمكن تجاوزها ،،،، وفي كل الأحوال هناك حاجة للاتصال لادارة كل ذلك.

من هذه الزوايا وضعت سؤالاً فضفاضاً يحمل شروط تجدده كلما عرفت المنطقة أحداثاً هامة على مستوى الإقليم : إلى أين يتجه الأردن في تحالفاته ؟ وهل الشراكات الاردنية مستقرة ؟ وهل الأردن حالياً يعمل على تشكيل تحالفات جديدة في لعبة التوازنات وعلاقاتها المتشابكة تستطيع نقله الى واقع اقتصادي مُريح ، والى استعادة جزء من دوره الحيوي الإقليمي المفقود ؟ وهنا نُشير الى اهمية ان تفرض الاردن نفسها شريكاً ( بدون دعوة ) في أي تحالفات تخدمها ! وهذا ما كان يفعله الراحل الملك الحسين.

بالتأكيد لدينا مسارات يمكن لنا ان نفكر بها لتحقيق الوضع الجيوستراتيجي الأكثر أمناً واستقراراً للأردن ، مدعوما بالاستقرار الاقتصادي ، وتعزيز الجبهة الداخلية والتي للأسف لا يلتفت اليها احد ، وتعزيز الخيارات في التعامل مع التحولات السياسية ، وتقوية قدرتنا على الصمود في موضوع القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات.

لا نريد ان نصل الى مرحلة تضيع فيها مساحة المناورة ،، والخوف من ان القطار اقلع باتجاه محطات دون الحاجة لانتظارنا، فعملية صُنع القرار تختلف عن عملية تفكيكه ! وعلى ما يبدو أننا ما زلنا نكتفي بالقراءة السطحية التي تزيد من أزماتنا عُمقاً ، والتي قد نعرضها كأخبار عادية لا تحرك فينا عقلاً.

 

سليم البطاينة

التعليقات مغلقة.