الوطن العربي: أراضٍ مُمزقة تتفكك فوق بحر من الدماء والنار.

5٬550

بقلم المهندس سليم البطاينه

نجيب اليوم على سؤال كبير : كيف تفكّك العالم العربي وتفكّكت معه منظومة أمنه القومي وتمزقت أراضيه ، ولم تعُد دولهُ قادرة ان تفكر بأي مشروع خارج حدودها ؟ وهذا سؤال يحتاج إلى استقراء ثقافة الامة العربية وتفكيرها خلال قرون طويلة مضت.

 

الاجابة المتوقعة لهكذا سؤال تَعني ان قوة الدفع الاساسية في المنطقة العربية ما زالت تسير نحو الدوله الفاشلة العاجزة عن تثبيت نفسها وتشير إلى تورط النظام العربي في المشاريع الخارجية وتكبيل دوله بمعاهدات وأتفاقيات اقليمية ودوليه ، جعلته يرضخ لمشيئة الغرب وإسرائيل.

 

عدا أن الاستبداد والفساد وفردانية الرأي فرض نفسه كحجر عثرة أمام كل مشاريع الاصلاحات كسياسة موجهة ضد الحريات والنقد والاصلاح والتغير ،،،، فـ إلى جانب الركود السياسي وأنتشار الفقر وتفشي البطالة ، فإن آفة الفساد لم تبق للأقتصاد دوراً انتاجياً ، وكانت معظم مراكز ثقل النفوذ الاقتصادي تقع في ايدي أقلية صغيرة تسيطر على مواقع القرار الاقتصادي.

 

بالأمس وأنا أتأمل الاحداث على الساحة العربية من غزة الصامدة إلى الشام وبغداد ومصر وتطوان ، لم انجح في العثور على تفسير مقنع لفظاعة ما يجري ،،، واعتراني الحزن في ظل ما نراه من سيناريوهات توشك ان تُدمر دول بأكملها وتُهجّر شعوبها.

 

لم يكن الشاعر نزار قباني يعلم ان حال العرب سيزداد سوءاً ! فالحال كما وصفه الشاعر الفلسطيني ( تميم البرغوثي ) هو الافضع ،،، فقد تهاوت قصائد نزار ومحمود درويش وسميح القاسم والجواهري ، وثورية الرحبانية بالتغني للعرب ولفلسطين ،،،، وبات المشروع الصهيوني هو الجامع المشترك بين البعضِ من الانظمة العربية والغرب وعلى حساب أهل الارض ،، وتحولت إسرائيل من كيان غاصب يبحث عن من يعينه على البقاء إلى لاعب مهم الكُل يهرول بإتجاهها يطلب ودّها.

 

هنا لابد من المقارنة مع أحداث مشابهه خارج الجغرافيا العربيه ، فـ العرب حتى اليوم لم يستطيعوا تشكيل أمة وتحقيق وجود لهم كما وقع على أمم أخرى ، ودول المشرق العربي هرب منها حاضرها وتركها واقفة على رصيف محطة مجهولة في انتظار مستقبل يُرسم لها من خارج تاريخها وباتت المسافة هائلة بين تاريخ تصنعه أنت وتاريخ يُصنع لك ، والمشهد داخل البلدان العربية يكاد يكون نفس المشهد سواء من الداخل أو من الخارج ، لأن الوضع على الارض لا تزال تُحركه الرمال ! وبعض الازمات رغم دمويتها لا تزال في بدايتها لم نر منها إلا رأس الجليد ،،،، فـ ما جرى في العراق واليمن وليبيا وسوريا والسودان سيجري على غيرهم.

 

الحالة العربية تعيش التحدي الأسواء وهي الاكثر تمزقاً نسبة الى الحاله العالمية ، والعالم العربي لن يخرج من محنته بلا خيال سياسي ،، وهذا لن يتم بوجود العائمين فوق الحقيقة ،، فقد جرت العادة ان نحكمُ بالاعدام على من يشهد على الحقيقة

 

والغرب وإسرائيل يعون جيدا أهمية تأليب الأوس على الخزرج ببقاء العرب منقسمين وضعفاء ،،، إنه مخطط ولد منذُ مائة عام نَسجت خيوطه مجموعة من المفكرين الغربيين وساعد في تنفيذه الانظمه العربية ، فقد تمزقت حاليًا خرائط الدول التي تشكلت عام ١٩١٦ وعاد معظمها الى صفة البلدان.

 

قد يبدو المقال متطرفاً ! لكن هل سئلنا نفسنا يوماً : ما هو الحلم العربي ؟ ذاك الحلم الذي سكن أنفسنا ؟ هل بات وهماً من الصعب الوصول اليه ؟ فـ منذُ عام ١٩٤٨ ونحن نسمع عن الحلم الضائع الذي سكن عقولنا منذ ايام الطفولة واستوطن كتبنا المدرسية، وكلما كبرنا أدركنا اكثر أننا نعيش حلماً مستحيل.

 

نعم ،،، خرج جيلنا كله من المحيط الى الخليج يطالب بتحرير فلسطين ،،، ولعلعلت اذاعاتُنا بأغاني فيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبدالحليم حافظ وشادية ،،،، فصار نشيد العُرب أوطاني نكتة سخيفه ،،، وبغداد لم تعد قلعة الاسود كما غنّت ام كلثوم ،،، وسيف فيروز لم يُشهر كما قال سعيد عقل ! والشام صارت خال على الخد وغاب عنها المجد ! ونجد والحجاز ها هم يحاولون انتزاع قدسيتها ! أنتصرنا غنائياًً وهُزمنا على الارض واختفت فلسطين من دائرة الاهتمام العربي العام ، وكادت تسقط من الذاكرة.

 

هذا حالنا اليوم ، نحن المتفرجين على مسرح بؤسنا وهواننا ، فـ معظم الدول العربية غارقة في دماء أهلها وخراب عمرانها ، وصورة المستقبل العربي كما تُرسم ملامحها لا تبشر بالخير بل تنذر بالكوارث.

 

الكل يسأل والصمت سيد الجواب ! والشاطر من يبحث عن سلامة رأسه ! أنه الواقع الذي حاصل حاليا ، فمن باع القدس وبغداد لن يشتري دمشق.

التعليقات مغلقة.