المشاقبة يكتب: الإصلاح السياسي في الأردن “مراجعة أولية” .. الجزء الأول

كتب الوزير الأسبق، الأستاذ الدكتور أمين مشاقبة مقالاً حمل عنوان “الإصلاح السياسي في الأردن، مراجعة أولية، و تالياً نص المقال و التحليل الذي نطالعكم بالجزء الأول منه:

خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة صدر لي عدة كتب تناولت موضوع الإصلاح السياسي في بعديه النظري والتطبيقي منها: الإصلاح السياسي والمشاركة السياسية في الأردن، النظام السياسي الأردني في طبعته الرابعة عشر، والإصلاح السياسي والحكم الرشيد إطار نظري وفي ضوءَ ذلك وجب علينا ان نعطي مراجعة أولية عامة عن الإصلاح السياسي في الأردن التي عايشتها منذ عام 1989 ليومنا هذا، وكل ما سأقوله هنا قابل للنقاس والحوار، وعليه فأن البداية بطرح نظري عام.

ما هو الإصلاح السياسي؛ يعرف الإصلاح السياسي لغوياً بأنه “صلح الشيء يصلح صلاحاً دلالة على خلاف الفساد” فالصلاح ضد الفساد والإصلاح نقيض الفساد وأصلح الشيء بعد فساده، ولغة يقال “صلحت حال الرجل أي زال عنها فسادها”. وهو مفهوم يطلق على التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تسعى لإزالة الفساد، وهو تعديل غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية دون مساس بأسسها. ويرى صموئيل هانتغتون ان الإصلاح السياسي هو “تغيير القيم وانماط السلوك التقليدية وتوسيع نطاق الولاء ليصل إلى الأمة، وعقلنة الحياة العامة وعقلنة البنى في السلطة وتعزيز التنظيمات المتخصصة واعتماد معايير الكفاءة” ويعرف كذلك بأنه “عملية تعديل جذرية في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية داخل الدولة في إطار النظام السياسي القائم وبالوسائل المتاحة واسناداً لمفهوم التدرج” ونرى ان الإصلاح السياسي هو تطوير كفاءة وفاعلية النظام السياسي في بيئته المحيطة داخلياً، واقليمياً ودولياً، استناداً لمفهوم التدرج، والشفافية والسلمية والذاتية ويركز فيه على المضمون (الجوهر) وليس الشكل، وفي ضوء ذلك نتسأل ماهي مضامين الإصلاح السياسي التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في حالتنا هذه:

أولاً: الإصلاح التشريعي ويبدأ ذلك بالدستور والقوانين الناظمة للحياة السياسية في الدولة.
ثانياً: البنى والهياكل، والمؤسسات وتحديثها وتطوير تخصصاتها وإلغاء ما هو غير فاعل منها وتأسيس بنى جديدة متخصصة وفاعلة.
ثالثاً: تطوير منظومة القيم الاجتماعية بقيم جديدة محدثة تواكب عملية الإصلاح واستبدال التقليدية منها بقيم محدثة.
رابعاً: تطوير كفاءة النظام السياسي وتعزيز فاعليته لمواجهة التحديات، والأزمات والصعاب التي تواجه الدولة وإيجاد السبل الكفيلة بحلها او التخفيف من وطئتها.
خامساً: عقلنه واستنطاق قيادات وطنية ملتزمة وتجديد النخب التقليدية.
سادساً: توسيع قاعدة المشاركة السياسية.
سابعاً: اعلاْ شأن المسألة السياسية.
ثامناً: زيادة مستوى الشفافية التي تعنى الانفتاح الكامل على الناس في السياسات والممارسات، ومنها حسن الحكم الذي يعني الترميم والدقة والوعي في كل ما يتعلق بقضايا الدولة.

أن الديمقراطية منفردة لا تكافح الفساد ولا تقضي عليه إلاّ ان الأمر ينحصر في كونها آلية حكم أو شكل نظام سياسي توفر منظومة سياسية متكاملة، ويقصد بالمنظومة السياسية دستوراً تعاقدياً يمنح الرعية حق الولاية على نفسها، وتعددية سياسية تفضيّ إلى قيام أحزاب سياسية ذات برامج قادرة على التنافس بشكل جدّي ولديها حلول للقضايا الوطنية، وانتخابات حرة نزيهة تأتي بمجالس نيابية تمثل الأمة بأسرها، أعضاؤها من الأكفاء القادرين على التشريع واجادة مهام الرقابة بكل وعي.

أن تعريف الإصلاح السياسي ومضامينه هي التي من الممكن أن نقيم ونراجع أي تجربة سياسية بما فيها حالتنا الأردنية وربما هناك نقاط أخرى ستظهر أثناء المراجعة والتقويم المطلوب بشكل يصحح المسار إذا كان به خلل أو شوائب.

أن هدف هذه المقالة هو اعداد مراجعة علمية دقيقة لعمليات الإصلاح السياسي التي حصلت في حالتنا الأردنية ووضع قطار الإصلاح السياسي على الطريق الصحيح الذي يخدم الأمة ويخرجها من حالة التعقيد.