أشهر خطاط عراقي يعمل في البناء

الأردن اليوم : “دوام الحال من المحال”، هكذا وصف أحد أشهر خطاطي العراق معاناته بعد أن أجبر على العمل في مجال البناء لتأمين لقمة العيش لعائلته، لتضيع في دوامة الحياة عشرات الأوسمة والميداليات وشهادات الشكر والتقدير وشهادات الدكتوراه الفخرية التي منحت له تقديرا لمشاركاته الفعّالة على المستوى المحلي والدولي، وتدفعه نحو الإهمال والتهميش.

مثل آخرين غيره، كُتب لأصابع الخطاط العراقي جمال رسول حسين المعروف بجمال ملا (50 عاما) أن تنسلخ منها النعومة وتتحول إلى كتلة خشنة وصلبة وهي تحمل يوميا عشرات البلوكات “الطوب الخرساني”، مع المعدّات والمواد الإنشائية الأخرى التي تستخدم في البناء مثل الرمل والحصو والإسمنت مقابل أجر يومي لا يتجاوز 20 دولارا.

في عام 1984 بدأت أولى علامات الموهبة في فنّ الخط لدى ملا المولود في مدينة السليمانية بكردستان العراق عام 1971 ويعيش حاليا في قضاء رانية التابع لها، ويستذكر كيف ساعده في ذلك معلّم اللغة العربية بمرحلة الثانوية عبد السميع شيخ فاتح بتعليمه مع التلاميذ أوّل درس عن ذلك.

تعمّقه في موهبته أكثر، دفعه إلى أن يعمل لدى اثنين من أشهر خطاطي مدينته عام 1985 وهما أمير نبي وفلاح خضر صاحبا مكتب خطّ رانية آنذاك، واستمرّ بالتمرين على الكرّاسات المدرسية ليتعلم أكثر كل فنون الخطّ إلى أن فتح عام 1990 مكتبا خاصا به يسترزقُ منه في قضاء بعقوبة التابع لمحافظة ديالى، والذي أكمل فيه معهد التصنيع العسكري، لينتقل بعد ذلك إلى رانية ويستقر ويكمل مسيرته وموهبته في الخطّ.

 

عامل بناء

في الماضي، كان الناس يهتمون كثيرا بالخطّ ورسمه بالأشكال المختلفة، وخصوصا في واجهات المحال التجارية والأبنية العملاقة إلا أن هذا الاهتمام تراجع كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية مع تطوّر التكنولوجيا.

وعن ذلك يقول  “تراجع عملنا كثيرا بسبب كثرة المطابع التي تعتمد على التكنولوجيا لرسم الخط والكتابة ولم يعدّ لموهبتنا أيّ مردودٍ مادي ولم تعد تنفع لتأمين لقمة العيش بها”.

 

وإثر ذلك، اضطرّ الخطاط العراقي إلى أن يعمل كـ”عامل بناء” مقابل أجر يومي (30 ألف دينار عراقي) والذي يُعادل نحو (20 دولارا) لتأمين لقمة العيش لعائلته المكونة من 11 فردا، دون أن يحصل على أيّ دعم من الجهات الحكومية سوى راتب تقاعدي متواضع مقداره 540 ألف دينار عراقي (364 دولارا أميركيا تقريبا) لا تكفيه لسد مصاريف بيته لعدّة أيام، حسب قوله.

نال جمال ملا الكثير من الأوسمة والميداليات وشهادات الشكر والتقدير تقديرا لموهبته، كما أحرز العديد من الجوائز في المعارض والمسابقات المحلية والدولية التي شارك فيها، منها حصوله على المرتبة الثانية في مسابقة الخطّ الديواني في مصر من بين 39 دولة، كما حصل على شهادتي دكتوراه فخرية، إحداهما من أكاديمية مصر للتنمية والتدريب.

 

الخطّ والطب

يُشبّه ملا فنّ الخط بـ”الطب”، ويؤكد أن صاحب الموهبة يجب أن يتعلّم جميع مراحل الخط وأنواعه في بداية مشواره، ومن ثمّ يتخصّص في نوعٍ واحد من الخطّ كما فعل هو بتخصّصه في الخطّ الديواني.

يشكو الخطاط العراقي من إهمال وتجاهل الجهات الحكومية في إقليم كردستان والعراق لموهبته والإنجازات الكبيرة التي حقّقها على الصعيد المحلي والدولي، فيتحمل هو وأقرانه كل مصاريف السفر عند مُشاركتهم في المسابقات الدولية، ويُحمّلها مسؤولية تراجع المواهب في فنون الخطّ والفنون الأخرى، لكن أكثر ما يؤلمه هو تجاهل الكثير من المسؤولين -وتحديدا أعضاء البرلمان- تنفيذ وعودهم التي قطعوها بمساعدته وتطوير موهبته وفنّه.

 

غياب الدعم

تأكيد لحديث ملا عن غياب الدعم الحكومي لأصحاب المواهب، يُشير رئيس فرع السليمانية لتجمع خطاطي كردستان عمر سليم إلى أن الخطّاط جمال يمتلك موهبة فطرية نادرة على مستوى العراق والإقليم، ولو كان هناك دعم حكومي بالمستوى المطلوب لاستطاع أن يحقق مراتب متقدمة على مستوى العالم في فنّ الخط، إلا أن غياب الدعم من الجهات المعنية وقف عائقا أمام ملا والكثير من المبدعين مثله حال دون الوصول للعالمية والمشاركة في المسابقات الدولية مع تلقيهم الكثير من دعوات المشاركة.

ويضربُ سليم في حديثه   مثلاً عن إبداع الخطاطين في كردستان العراق باستذكاره الخطاط نهرو قادر رشيد الذي يعدّ من أبرز الخطاطين في الإقليم والعراق، وقام بالرسم والتخطيط للكثير من المساجد والمزارات الدينية والأبنية العملاقة في الإقليم.

ويُحذّر مصطفى، في حديثه  ، من حالات مأساوية يعيشها الكثير من الفنانين والأدباء في القضاء بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم قدرتهم على العمل، ما يعني أن استمرار غياب دعم الجهات الحكومية عنهم ماديا ومعنويا قد يجبر الكثير منهم على التوجه إلى مهن شاقة مثل الخطاط جمال ملا لتأمين لقمة العيش.

 

 

رابط مصدر الخبر اضغط هنا