حدادين يكتب: الشركات التكنولوجية هي التي ستُنقذ الإقتصاد الأردني

م. مهند عباس حدادين

الأردن اليوم – إن الشركات التكنولوجية هي التي ستُنقذ الإقتصاد الأردني في المستقبل القريب وتحقق النمو المنشود وتعمل على سداد المديونية وتشغل العاطلين عن العمل, فما كان معتقداً سابقاً أن الزراعة والصناعة والإستثمار بهم هو ما يدرالأرباح على الشركات ويشغل العاطلين عن العمل أصبح غير مجدي لأسباب عدة: منها أن كُلَف مدخلات الإنتاج أصبحت باهضة الثمن من مواد أولية والشحن الدولي المتسارع بالإرتفاع ناهيك عن فاتورة الطاقة المتزايدة بالإرتفاع أيضاً لتلك المصانع والشركات بالكيلو وات والميغا وات وشُح المياه في بلدنا والمنافسة التقليدية العربية والعالمية لها مما يجعل المُنتَج الأردني يصل الى يد المواطن بسعر مرتفع أعلى مما كان خلال الفترة الماضية إضافة الى عدم المنافسة في حالة التصدير ولا نريد التوسع والشرح عن معوقات الصناعة والزراعة الحالية.

لقد أكتسحت الشركات التكنولوجية الإقتصاد العالمي وحصدت الحصة الأكبر وزادت من الناتج القوي الإجمالي للدول المتحضرة وأنقذت اقتصاداتها وقللت نسب البطالة فيها, فقد سجلت أبرز 5 شركات أمريكية مجتمعة وهي أبل ومايكروسوفت وألفابيت المالكة لشركة غوغل وأمازون وميتا بلاتفورم المالكة لفيسبوك أرباحاً لعام 2021 تقدر 2450 مليار دولار كانت إضافة على قيمتها السوقية , علماً أن الناتج الإجمالي العالمي لعام 2021 بلغ 94000 مليار دولار , وأريد أن أُدخل أرقام أخرى لهذه الشركات الخمس لتكتمل الصورة عند القارىء بنهاية المقال, بلغ مجموع إنفاق الشركات الخمس لعام 2021 على البحث العلمي والتطوير125 مليار دولار.

إن واقع الحال عندنا هو أننا استبدلنا اسم وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات باسم وزارة الإقتصاد الرقمي والريادة قبل 3 سنوات وتوسمناً خيراً بهذا الإسم ووضعنا استراتيجيات وسياسات للنهوض بواقع الحال للوصول الى الهدف المنشود وهو اللحاق بالعالم المتقدم بدعم الشركات التكنولوجية والوصول الى ناتج قومي يوازي مشاركة شركات التكنولوجية العالمية باقتصادات بلدانها ,لقد تاهت الوزارة بالتحول الرقمي والتطبيقات الرقمية واصطدمت بالتطبيقات التي عايشناها(سَنَد وغيره) واستنزفت جهود الوزارة ووقتها , وفقدنا التركيز على ما هو أهم, لا وبل لا تزال الوزراة تبحث عن أمين عام يقود التحول الرقمي والريادة منذ عامين بمواصفات وخبرات لم تجدها بعد وأعطت أولوية لتعيين أمين عام للشؤون المالية والإدارية كونه الأهم بنظرها ,وحتى مفهوم الريادة عندها أصبح توزيع منح مالية على الشركات لخلق فرص التشغيل والذي لا علاقة له بالريادة وتنتظر من الشركات أن تتقدم اليها بمشاريع الريادة بدون خطط استراتيجية معلنة.

إن الحلول للوصول الى ما وصلت اليه الدول المتقدمة في هذا المجال يكمن بالخطوات التالية:

1) إستحداث وزارة مستقلة تحت مسمى وزارة الريادة والإبتكار والتطوير, مهامها أن تكون على اتصال كامل وتنسيق مباشر مع وزارةالاقتصاد الرقمي والريادة ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الإستثمار ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العملي ومركزالتدريب المهني والجامعات والمعاهد وديوان الخدمة المدني والقطاع الخاص من مصانع وشركات وبنوك ومؤسسات تعمل في مجال التكنولوجيا والحاسوب لوضع استراتيجية مشتركة وخطط عمل لضمان استقطاب المبدعين والرياديين والأفكار القابلة للتطبيق لتكون نواة لشركات أو صناعات متميّزة وفريدة يكون لها قيمة سوقية مرتفة جداً نتيجة” Know how ” ,إضافة إلى رسم سياسة وخارطة طريق متجانسة ومتناغمة تُطبَق حسب منهجية فنية تؤدي إلى النتائج المرجوة من خلال المساهمة في تطوير المناهج واساليب التدريس في كل من المدارس والمعاهد التقنية والجامعات وتحسين الأداء في كل من القطاعين الخاص والعام.

2) اقتصار عمل وزارة الإقتصاد والرقمي والريادة فقط على التحول الرقمي وتهيئة البنية التحتية لذلك والانتهاء بأسرع وقت من إنجاز 1640 تطبيق حكومي والذي لم يُنجَز النصف منه لغاية الآن, وتعديل إسم الوزارة ليصبح وزارة الإتصالات والإقتصاد الرقمي ,فالإقتصاد الرقمي سيتناغم مع الإتصالات من خلال تعريفه, حيث يعُرّف الإقتصاد الرقمي بأنه النشاط الناتج عن مليارات الإتصالات اليومية عبر الإنترنت بين الأشخاص والشركات والأجهزة والبيانات والعمليات وقد أدى الى ظهور العديد من الاتجاهات الجديدة والأفكار والشركات العملاقة الخمسة التي ذكرناها أعلاه والتي تعتمد على نظام الرقمية, وقد اقترحتُ ادخال مسمى الاتصالات كونها لا تزال مسؤولة عن قطاع الإتصالات, وفصل الريادة بالكامل عن الوزارة لأن الريادة بمجملها لا يمكن احتواءها وإنجاحها بهذه الوزارة .

3) التركيز على استقطاب المبدعين من طلابنا أو من يعملون في السوق المحلي في مراحل مبكرة وذلك بإنشاء مراكز للتميّز المتخصص بعمل مركز رئيسي لكل تخصص وربطه مع الجامعات أو مراكز التدريب أو الشركات أو المصانع ذات التخصص من خلال مشاركتهم العملية وتبادلهم للأفكار وللنتائج التي يحصلون عليها من خلال هذه المراكز والبناء عليها للخروج بأفكار إبداعية تُترجَم على أرض الواقع بانشاء شركات جديدة أو صناعات جديدة أو إضافة نوعية على صناعاتنا المحلية بامتياز تكنولوجي, وقد عملتُ مع أكبر شركة أوروبية تكنولوجية لتصميم المراكز القيادية بجميع تخصصاتها قرابة خمسة أعوام للتحضير لما يتناسب معنا في هذه المرحلة لتساعد على إفراز الرياديين والمبدعين والخروج بالحلول والأفكار الجديدة المميّزة.

4) إنشاء مركز تدريب دولي في مجال البرمجيات وتطبيقاتها لتدريب طلابنا من الذين يتخرجون سواء من المدارس أو الجامعات أو ممن يعملون في الشركات والمصانع واكتشاف المبدعين والموهوبين لتصميم برامج جديدة ذات قيمة مضافة أو تطوير برامج أو منصات إجتماعية/ثقافية/علمية/فنية/اقتصادية لتأسيس شركات تكنولوجية تنافس الشركات العالمية وخصوصاً إذا تبلورت أفكار وبرامج وتطبيقات جديدة مميزة أو دعم ما تقوم به شركات التكنولوجيا الحالية على جميع المستويات المادية/التدريب المتميز للكفاءات/طرح الأفكار الريادية ليتم تبنيها.

5) طرح مشاريع التخرج لطلاب الهندسة وطلاب العلوم (الحاسوب) في جامعاتنا عن طريق المراكز في الفقرة (3) لما يحاكي التطور التكنولوجي وأن يتم البناء عليها ومتابعتها لطلاب السنوات اللاحقة في مشاريع التخرج في حالة عدم نضوج الأفكار والنتائج العملية, وأن تُحاكي واقع التقدم التكنولوجي والبناء عليه, لا نريد مشاريع تَخَرُج تقليدية ومكررة وافكار تُدفن مع تخرُج الطالب .

6) يجب تصنيف وترقية اساتذة الجامعات في الكليات العلمية والمعاهد التقنية بناء على نتائج وأفكار ريادية سواء عملوا عليها بمفردهم أو مع طلابهم.

7) إلزام تخصيص جزء من موازنة الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والبنوك والمصانع والجامعات والمعاهد للبحث العلمي والإبداع والتطوير والريادة, وتُصرَف بالفعل كما خُطط لها لانريدها أن تُصرَف على زيارات المسؤولين وسفراتهم للخارج, وأن يكون في كل منها قسم أو دائرة تحت مُسمى قسم الريادة والإبداع والتطوير ويكون له ارتباط فني بالوزارة الجديدة وسينعكس ذلك على الأداء وزيادة الإنتاجية النوعية .

8) إغراء الطلبة المتميّزين عند تخرجهم بعقود عمل محلية بدل من سفرهم وفي نهاية المطاف هجرتهم للخارج وفقدان مساهماتهم وابداعاتهم في بلدهم, فكم رأيت والتقيت بأردنيين بالولايات المتحدة وأوروباحيث قامت الشركات التكنولوجية باستقطابهم للعمل معها وساهموا بشكل ملموس في نجاح هذه الشركات.

9) الاستثمار بالأفكار والنتائج العملية والبرامج التي يتم الحصول عليها ونضوجها لتحويلها لمشاريع استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب لإنشائها في الأردن ومنحهم تسهيلات تمويلية من البنوك.

10) تشجيع البنوك المحلية على تمويل المشاريع التكنولوجية بمنحهم تسهيلات ,ويجب على كل بنك ان يستحدث شاغر تحت مُسمى ” مدير الإستثمار التكنولوجي” وأن يختص بتمويل مشاريع وأفكار ريادية بالتعاون مع الوزارة الجديدة المُقترحة.

11) الإهتمام ببراءات الاختراعات وتمويل عمل النموذج الأولي لها Proto type ليكون ضمن اختصاص الوزارة الجديدة واستقطاب المنح الخارجية والداخلية لتمويله, وتشجيع المنافسة بين الشركات والمصانع والجامعات تحت مسمى جوائز التميّز والريادة والإبداع السنوية وعلى أعلى مستوى وعمل معرض سنوي لعرض هذه الإنجازات وتكريم أصحابها من المبدعين.

12) الإسراع بتنفيذ شبكة الجيل الخامس لما لها من أهمية قصوى للتطبيقات الجديدة والتي ستشجع الوزارة المقترحة العمل على تطوير الإبداع والتميّز بتطبيقاته والتي تُعد حجر الزاوية للريادة مثل( الواقع الإفتراضي VRوالواقع المُعزّز AR للإستخدامات الأمنية والطبية والتعليمية والتدريبية والزراعية والتصميم الإنشائي المجسم والملاحة وحل مشكلة الاختناقات المرورية والمساعدة في عملية التسويق والدعاية ,إضافة الى تصميم وتطوير البرمجيات والتحقق من الأنظمة وغيرها , واستخدام الذكاء الصناعي والروبوتات في حياتنا اليومية والتحكم بهم عن بُعد لاستخداماتنا الأمنية والخدماتية والصحية والنقل اللوجستي , إضافة الى نظام Block Chain الذي يعطي الخصوصية والحماية الشخصية للتعاملات البنكية والشركات,وإنترنت الأشياء IoT لما لتطبيقاته من فوائد جمة لا تُحصى ولا تُعد) ومئات من التطبيقات التي سنُطلق العنان لمهندسينا وفنيينا ومبرمجينا المُبدعين لعمل برامج وأنظمة وتطبيقات وأجهزة فريدة من نوعها تكون ذات قيمة عالمية تُدر مئات الملايين من الدولارات على البلد بعد تصديرها للخارج تحت مظلة الشركات التكنولوجية الأردنية, ولدي على المستوى الشخصي قرابة الخمسين مشروع ريادي قابلة للترجمة على أرض الواقع في شتى المجالات يتميّزوا بال”Know how” ونستطيع تصديرهم للخارج.

فالمقترحات السابقة يجب أن تُضمّن في مخرجات ورشة العمل التي أنهت أعمالها في الديوان الملكي العامر على مدار الشهرين الماضيين وكذلك في اللجنة المُشكَلة لتطوير الأداء الإداري برئاسة دولة رئيس الوزراء الأفخم وخصوصاً وأن نتائجها ستظهر خلال الشهر القادم.

إن نجاح مؤسساتنا الخاصة والعامة ومساهمتهم الفاعلة في بناء الإقتصاد وزيادة الناتج القوي الإجمالي وتحقيق نسب نمو مرتفعة بهذه الطريقة سيكون مضموناً لعدة أسباب أولها إذا إتبعنا النهج الصحيح الذي أشرنا له سابقاً وتواجد المبدعين المتميزين المُدرَبين الذين قمنا باكتشافهم وتطوير مهاراتهم الفنية وأطلقنا العنان لإبداعاتهم ,وأهم عنصر في هذه العملية هو إختيارنا الصحيح للمناصب القيادية في القطاع العام من وزراء وأمناء عامين ورؤساء هيئات وخصوصاً إذا كان تخصصهم قريباً من مجال عملهم وأن يكون عندهم الإبداع والحماس وروح الفريق الواحد مع توفر الخبرات الفنية والعملية والنظرة الشمولية فلا مجال للمُحاباة ,فيجب إختيار الأفضل لشغر تلك المناصب والبحث عنهم في الخارج لعمل النقلة النوعية واستبعاد فكرة إلزامية ترقية مع يعمل بالوزارة أو المؤسسة ليستلم الموقع القيادي إذا لم يتمتع بالكفاءة العالية, إضافة الى استبعاد المسؤول الذي لا يكون وجوده وعمله في وزارته أو مؤسسته قيمة مضافة وعدم تدويره في مناصب أخرى ,على أمل أن نرتقي بهذا القطاع لينهض بإقتصادنا لما هو خير للمواطن الأردني وهذه الرؤيا التي أرادها جلالة الملك المعظم ويتابعها سمو ولي العهد المعظم والتي لا زلنا نجتهد ونسابق الزمن بتحقيقها .

* رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG

mhaddadin@jobkins.com