حماس من المقاومة إلى السياسة .. تدوير ناعم واستدارة ١٨٠ درجة !

المهندس: سليم البطاينه

 

في هذه الأيام تزداد درجة التشنج والإحتقان بين حقلي السياسة والمقاومة خصوصًا ما بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة .. وأعلم جيداً أن الكثير من القرّاء سيقولون أن هذا الموضوع مُستهلك وفات أوانه ، ولا مُبرر للحديث عنه ما دام قادة إسرائيل يرفضون السلام والتفاوض على تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين … ومن غير المقبول رؤية حماس وأية فصائل فلسطينية أخرى تعترف بأسرائيل … فقد رأينا أن الذين أعترفوا بها لم يحصلوا على أي شيء ! بل استمر الإحتلال والإستيطان ولم يحصدوا إلا التهميش والعزل والحصار وابتلاع مزيد من الأراضي وانتهاك المقدسات.

فلو اعترف كل الشعب الفلسطيني بكل فصائله وأحزابه بإسرائيل فلن تُغير إسرائيل من مواقفها أو تتخلى عن عقيدتها الصهيونية ورؤيتها التلمودية.

مع العلم أن القراءات الأولية تذهب إلى اعتبار أن حركة حماس تلعب حالياً ورقة تعدد الخيارات والبدائل والتفاضل بينهما ، بإرسالها رسائل تغير ناعمة على أنها حركة ذات هوية فلسطينية لا علاقة لها بالتيارات الإسلامية الأخرى وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين رغبة منها في الحصول على الشرعية الدولية والإقليمية في صراعها مع فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية مع احتفاظها بورقة القسام كضمانة لإستقرار سيطرتها على غزة.

فدائماً هنالك مؤشرات أو أحداث تدل بالعمق على أنها مدخل لتغيرات جذرية وتبريد لملفات سياسية ، وتحولات جيوسياسية !! حيث توحي الملامح السياسية حالياً بمنطقة الشرق الأوسط أن هناك عمليات تبريد سياسية قادمة وهو ما انعكس بشكل مباشر على خطوة حماس الأخيرة.

فقد رأت صحيفة Frankfurter Rundschau الألمانية قبل أيام في تعليقها على استدارة حماس الأخيرة أن “العرب عملياً تخلوا عن فلسطين منذُ زمن بعيد ، وأن خطوة حماس هي خطوة عقلانية جاءت متأخرة … فلا توجد مقاومة دون رؤية سياسية ، ولا تعارض بين المقاومة والتسوية السياسية حيث أن العلاقة بينهما تكاملية وليس تناقضية وان كان ترابطهما العضوي يعني أنهما مكملان لبعضهم البعض ، ومعادلة أما نحن أو هُم التي تم تبنيها في بداية الصراع العربي مع إسرائيل منتصف القرن الماضي انتهت صلاحيتها ، لأن العرب الآن ليسوا هُم ذاك الزمان ، وإسرائيل الآن ليسوا هُم ذاك الزمان ، والتفكير الواقعي يُحدث المتغيرات ويصنع التحولات ، والمبدأ ينطلق من التفكير في إعادة قراءة تقدير الموقف” (انتهى الاقتباس).

فمن يريد أن يعرف أبعاد الاستدارة السياسية الأخيرة لحركة حماس عليه ان يعرف أن حماس لم تكن الوحيدة ولن تكون الأخيرة في الحالة الفلسطينية فهذا الطريق سلكته فتح ومنظمة التحرير عقب خروجهم من لبنان عبر تقديم العمل السياسي على الكفاح المسلح … ، فحماس تدرك جيدًا أنها لم تكن بعيدة عن التناقضات السياسة بشكل عام ، وتعرف أن اللاعب السياسي لابد أن يقدم تنازلات ليستطيع الوقوف في المعترك الدولي وتحت شعار الحوار مع الجميع لوقف العزلة ومنع الإستفراد بها رغم إدراكها أن تغيرها من محور إلى آخر سيضيق عليها كثيراً من هامش المناورة والمراوغة.

وأي حديث عن لعبة سياسية قادمة أمرٌ في غاية الأهمية والصعوبة في آن واحد ، ولا يمكن دخول تلك اللعبة دون الإلمام بقواعدها وأصول ممارستها … فهي لعبة شيطانية ولعبة ذكاء ورهان مصير.

فقوة العجز في مواجهة عجز القوة ذلك برأيي هو جوهر اللعبة السياسية.

والتضاد بين الواقعية والوقيعة هي سياسة لمواصلة عملية التبريد … فالمبادىء تتغير بتغير الأفكار وبالتكيّف مع الضغوط الأقليمية والدولية.

على أي حال موقف حماس الأخير فاجأ الكثير من المحللين والمراقبين والسياسين الغربيين والعرب ، فعلى ما يبدو أن هناك مراجعات كبيرة تتم في دوائر صُنع القرار داخل الحركة يمثل تحولات جذرية في سلوك الحركة السياسية تجاه إسرائيل.

فصحيفة LE TEMPS السويسرية ركزت على أن مفهوم المقاومة يحتل عند العرب موقعاً مركزياً في الثقافة السياسية العربية ، إذ يحاط هذا المفهوم بقدر كبير من التبجيل في الحيز العام من دون إخضاعه لنقاش عقلاني لتعريفه على نحو دقيق في ظل الإنحدار والتشرذم الحاصل الآن للأمة العربية … وقالت الصحيفة أن عدم دخول حماس ( رأس الحربة في مشروع المقاومة المسلحة ) على خط المواجهة الأخير في غزة يمثل عقلانية وبُعد رؤية لم نعهده سابقاً.

أردنياً من المُبكر الإعتقاد أن الأردن في طريقه إلى إعادة نوع من العلاقة مع حركة حماس، فأي استدارة أردنية سوف تخضع لحسابات سياسية دقيقة وحساسة بنفس الوقت ، فهنالك أطراف كثيرة محلية وإقليمية ودولية لا تبدي ارتياحاً لأي حوار مع حماس ، رغم أن دوائر القرار الأردنية تُفكر بشكل شبه يومي بوضع الضفة الغربية ما بعد الرئيس عباس ، وخوفها من حدوث حالة من الفراغ السياسي والأمني مما يهدد سلامة أمنها القومي.

فأي انفتاح على حماس في الأيام القادمة بالتأكيد لن يحمل أي دلالة أو معنى لتحولات استراتيجية بالسياسة الأردنية ، لأنه سيكون باعتقادي ليس أكثر من مناورة سياسية في سياق المصالح الأردنية … فإدارة الإختلاف السياسي والأيدلوجي ما بين الأردن وحماس ما زال قائماً ، خصوصاً حالياً في ظل ترهل الحقل والفكر السياسي للحركة.

وبرأيي إذا ما تم أي تقارب ما بين الحركة والأردن فما يريده الأردن سوف يتلخص في نقاط معيّنة ،أولها : تحديد صيغة العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين بالأردن ، وضرورة بناء حدود واضحة بينهما … وثانياً : تحديد موقف حماس من قرار فك الإرتباط ومن حق الوصاية على المقدسات ، ومعرفة موقف الحركة من أية ضغوط لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

فالقراءة السوسيولوجية تؤكد أنه مسلسل طويل سنشهده من الإستدارت ويبدو أن الأشهر القادمة سوف تكون حبلى بالكثير من المفاجآت ، وستكشف لنا الكثير إن كان هناك لعبة سياسية يتم التحضير لها ، فقد غدت السياسة عملاً برغماتياً ، والمتابع يرى ان الرهانات والحسابات لحركة حماس بدأت بالتغير منذ أشهر.