السياحة في الأردن .. بين الصدفة والطموح

كتبت م.أسماء عبد الفتاح الخريسات
في الربيع الماضي، انتشر فيديو تلقائي بسيط وصادق لمنطقة وادي أم النمل الخلابة في لواء الكورة الجميل، استطاع الفيديو على بساطته أن يعرف السائح العربي (بالذات الخليجي) على كنز أردني جديد ، وتوالت بعدها وسائل الإعلام المحلية بعمل التقارير الإخبارية عن المنطقة وأصبح اسم وادي النمل أو ( تلال تيلي تبيز) كما أحب البعض تسميته، علما للسياحة الطبيعية غير المتكلفة ولا المكلفة، القائمة على جمال الطبيعة ونقاء الهواء ودفء الأرض، سياحة بدون فنادق فارهة ولا رسوم دخول ولا حجز مسبق، تعرف الناس حينها على قلب الأردن الأخضر، سياحتها الريفية الزراعية، حيث المراعي والمزارع، وخبز الطابون والجبنة البيضاء والزيتون.

ولكن سرعان ما خبا الاهتمام المحلي والعربي ولم نعد نسمع عن وادي أم النمل الشهير شيئا، وربما أكون مخطئة، وعلينا بحسن الظن ، فلا بد من أن المعنيين بشؤون السياحة المحلية قد وضعوا العديد من الخطط لترويج الأردن على نطاق واسع، بدءا من السياحة التاريخية ( مثل جرش والبتراء وأم قيس وعجلون والكرك) ومرورا بالسياحة التراثية ( مثل السلط واربد) والسياحة الدينية ( مثل المغطس ومادبا ومقامات الصحابة) والسياحة الطبيعية ( مثل المحميات) وسياحة المغامرة (مثل الغطس والتسلق) والسياحة العلاجية (مثل البحر الميت وماعين ) وسياحة التأمل والهدوء ( مثل الصحراء ووادي رم).

الأردن كنز سياحي لم يظهر كل ما فيه من درر، فالأردن قادر على تقديم المنتج السياحي على مدار العام فللصيف مزايا وللربيع والشتاء أيضا، فهو يقع في منطقة تتنوع فيها الجغرافيا والطبيعة والمناخ، ومن الممكن أن يقدم منتجا وتجربة سياحية لكل أنواع السياح ( المحلي والعربي والدولي) ولا سيما تلك العائلية والقائمة على التجربة الثقافية أكثر من الترفيهية والفخامة المادية (بالرغم من توفرها).

السياحة في الأردن ستشهد قريبا منافسة ضروس من دول الجوار التي تمتلك مقومات كثيرة أهمها حسن الإدارة والتفكير المبدع مدعمة بالقدرات المالية الضخمة، وإذا لم نتدارك ذلك من خلال طرح تجربة سياحية متميزة والتركيز على السياحة (غير الباهظة) مثل السياحة العائلية المحافظة، بحيث تستقطب الطبقة المتوسطة والعائلات، فإننا سنخسر كثيرا، وهنا أتذكر يوما كانت فيه جامعاتنا ومستشفياتنا مقصدا ومنارة لدول الجوار لكن التركيز على الربح السريع وفي غياب النظرة البعيدة المدى وخطط التطوير ومواكبة التطور ، فقدناها مكانتنا بالتدريج، خاصة بعد جهود الدول في تطوير منظومتها التعليمية والصحية.

مناطقنا الأردنية الجميلة تذكرني بالوجه الجميل بلا مساحيق ولا فلاتر ولا حقن النفخ والشد، في زمن أصبح فيه كل شيء من حولنا صناعي، ولا بد من توضيح بأن الهدف ليس منافسة سياحة الفخامة ولا نريد ذلك، ولا منافسة سياحة التكنولوجيا وفنادق السحاب، ولكن علينا أن ننافس بسياحة التنوع والتراث والطبيعة، ننافس بثقافتنا وتراثنا وكرمنا كشعب وأرض، ننافس إذا أدرنا مواردنا بحكمة وزرعنا مفهوم التكامل وليس التنافس بين المواقع المختلفة، (أم قيس وعجلون وجرش وعمان والسلط ومادبا والغور والطفيلة والكرك والبترا ووادي رم والعقبة) تشكيلة مميزه وعقد ثمين.

واجه الأردن تحديات كثيرة صمد فيها، وهو يقف اليوم على مفترق طرق هام، فإما أن نستجمع قوانا وهممنا لنتصدى وننمو ونزدهر وإلا فإننا سنخسر الكثير ونتراجع خطوات عديدة للخلف.

ما أقصده هو أن علينا إعادة تقييم منتجنا السياحي المتنوع وعلينا أن نبرز نقاط القوة لدينا ونتجاوز نقاط الضعف بحلول مبتكرة وغير مكلفة وهنا أود طرح بعض الأسئلة: أين دورات المياه النظيفة المصانة في المناطق السياحية المختلفة، ما هي الخطوات المتخذة لضبط الأسعار في بعض المناطق السياحية، ما هي الضوابط للحفاظ على البيئة ومنع التلوث، أين هي المواد الإعلامية التي تسوق لكل مناطق الأردن، هل تم عمل ما يلزم لاستقطاب السياحة العائلية متوسطة الكلفة، ماذا عن سياحة الشباب وسياحة المغامرة، هل تم ترويج السلط بما يكفي وهي مدينة التسامح والثقافة وسلطانة المدن، هل سمع الأردني والعربي بأن هناك شارعا يسمى شارع الستين؟، تقف عنده فترى الأرض تعانق السماء، ترى الأردن تعانق فلسطين، وترى أضواء القدس ونابلس تلتحم مع أضواء السلط بينما النسيم العليل يداعب وجهك!، هل يعرف الأردني أو العربي أو الغربي بأن التين والعنب عندنا له طعم خاص، وأن بإمكانه زيارة المزارع لقطف الزيتون ، وفي السلط يمكنه لعب المنقلة وفي ضانا يرى المها وأن الحاضر لدينا لا يقل جمالا عن الماضي.؟!

وهنا يجب أن نذكر موضوعا هاما، هو أن السياحة والمناطق السياحية لا تقع في جزر معزولة، بل هي جزء من كل مدينة وبلدية، وما نراه من تحديات في المدن والبلديات ينعكس على المنتج والتجربة السياحية، فلا يكفي أن يكون الموقع السياحي نظيف بل على المدينة المضيفة أن تكون نظيفة آمنة سلسة الحركة، فالسائح كما المواطن يحتاج لتجربة متكاملة من زيارة للأسواق والمشي في المدينة والحركة والتنقل والاكل والنوم إلى غيرها من الأنشطة، وعلى المدن الأردنية والبلديات ان تسعى لتقديم أفضل ما لديها لخدمة المواطن أولا والسائح والزائر ثانيا.

السياحة اليوم، في ظل التواصل الاجتماعي، والأنماط الجديدة للإقامة (تأجير البيوت والمزارع والسيارات) لم تعد حكرا على أحد، وبالتالي فالفرص مفتوحة أمام الجميع للعمل والاستثمار وإنتاج منتج سياحي متميز ومبدع وفي المقابل فالمسؤولية أيضا تقع على عاتق الجميع، وعلى الأنظمة والقوانين فتح المجال والتسهيل والتشجيع على ذلك.

نحن شعب فتي، مبدع، مبارك، طموح، شبابنا يبدعون في شتى الميادين، فلنفتح ملف السياحة ونستقطب الأفكار الإبداعية، ونطرح الأردن بكل أبعاده الجميلة بقوة وفي كل الوسائل الممكنة، وأهلا وسهلا بالجميع في بلد النشامى.