فلسفة هرمس افادت البشرية ولا زلنا بحاجة الي تفعيلها

بقلم / سارة طالب السهيل

الاردن اليوم – شهد العقدين الماضيين جهود حثيثة لإعادة فهم العالم الذي نحيا في ظله ، والعوالم التي تحيط بنا لكننا لا نراها بأم اعيينا ، ومن ثم اعادة اكتشاف الطاقات والمواهب والعلوم الخفية التي وهبها الله لبعض الخلائق ومنهم هرمس
عاد العالم بقوة يبحث عن هذه القوي الخفية لشخصية هرمس التي اكتنزت المواهب العقلية والفلسفية والروحية معا ، وذلك نجده حاضرا في كل الحضارات والثقافات والاديان بمسميات مختلفة ، وكل حضارة تنسبه اليها ، فالمسلمون يرون ان هرمس هو نبي الله اخنوخ ، وعلماء مصريات يعتقدون انه الاله “أوزوريس”.. ومؤرخون يرونه الحكيم “هرمس” بينما ذكرته التوراة بأنه “أخنوخ” من نسل آدم ، ووصفه “المقريزي” بأحد بناة الأهرام.
جاء في تواريخ كل من الطبري ، ابن كثير ، ابن الأثير ، والمسعودي، فإن إدريس هو أخنوخ من نسل شيث بن آدم، وتسميه الصابئة “هرمس” ، بينما ذهب الامام جلال الدين السيوطي الى انه نبي وملك حكم مصر بعد ان توارث العلوم عن جده شيث بن آدم . أما “هرمس” عند الاغريق فهو شخصية أسطورية إغريقية ، وعند اليونان فكان معبودا ضمن “آلهة الأولميب” الشهيرة ، وكان ابنا لزيوس !!!
نسبت كل حضارة هرمس اليها وافادت من علومه وتعاليمه ، من خلال تلاميذه ، فهرمس هو نبي الله إدريس قد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ، وإليه انتهت الرياسة في العلوم الحرفية واسرار الحكمة واللطائف الربانية والإشارات الفلكية ، واستقى الحكماء والفلاسفة من حكمته ، وتشرب العلماء من فيوضات علومه .
وقد صنف كتاب كنز الأسرار وذخائر الأبرار ، وهو خامس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف، وعلمه جبرائيل علم الرمل ، وبه أظهر الله نبوته وقد بنى اثنين وسبعين مدينة ،وتعلم منه علم الحروف .
الهرامسة وهم أربعون رجلا ، وكان أمهرهم اسقلينوس الذي هو أبو الحكماء والأطباء ، وهو أول من أظهر الطب ، وهو خادم نبي الله إدريس وتلميذه ، ثم ابنه متوشلخ ثم ابنه لامه ثم ابنه نوح ، وهو نبي مرسل وله سفر جليل القدر ، وهو سادس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف ، ثم ابنه سام ثم ابنه أرفخشد ثم ابنه شالخ ثم ابنه عابر ، وهو نبي الله هود ثم ابنه فالغ ثم ابنه يقطر وهو قاسم الأرض بين الناس ، ثم ابنه صالح نبي الله ورث علم الحروف ،ثم ارغوا ابن فالغ المذكور ورث علم الحروف ، ثم ابنه اسردع ثم ابنه ناحود ثم ابنه تارخ ثم ابنه إبراهيم ، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه عشرين صحيفة ، وهو أول من تكلم في علم الوفق .
هذا يفسر وجود المبادئ الهرمسية جوهر الديانات الأسيوية الشرقية كالهندوسيَّة والطاويَّة والبوذيَّة ، والديانات الشرق أوسطية من يهودية ومسيحية وإسلام إلى ديانات الشعوب الأصلية في الأمريكيتين، وإفريقيا وأوروبا واستراليا .
فلسفة هرمس
تقوم الفلسفة الهرمسية على سبعة قوانين وهي قانون الوحدة العقلية ، والتطابق ،الذبذبة أو الاهتزاز ، الأقطاب أو الأضداد ، السبب والنتيجة ، الجنس ، والايقاع .
وأثبت علماء الفيزياء الحديثة بعالمنا المعاصر ، أنّ المبادئ الهرمسية كانت لديها المعارف المتطورة التي بدأنا في استكشافها في حقول الفيزياء الكونية والكيمياء وعلم الطبيعة وعلوم النفس والروح أو ما يعرف بعلم الكيمياء .
قانون الوحدة او العقلانية : فالعقل هو الشيء الوحيد الذي يمكن إثباته وهو الحق ،والكون عبارة عن تمثُّلات وتجسيدات لتصوّرات إبداعات العقل الكوني الكلي . وجميع الإبداعات والاختراعات والتصميمات البشرية لا يمكن وجودها في الواقع ، ما لم تكن في البداية فكرة في ذهن المبدع ومن ثَمّ تجسدت في الواقع .
قانون التماثل أو التطابق
ويشير إلى وجود تماثل ما بين عالمين متوازيين ، كما الأعلى الأسفل ، وتَماثُل بين المبدأ وبين الظاهرة ؛ القاعدة والتطبيق ؛ والتّماثُل هو القدرة على إدراك ما هو غير محسوس ،ويشير ذلك الى وجود عوالم لا متناهية ، فكل عالَمٍ هناك ما يماثله في مجال زماني ومكاني آخر .
الذبذبة أو الاهتزاز
فالكون في حركة دائمة ، كل شيء وكل كائن لديه حركة أو ذبذبة تصدر عنه ، وهو ما اكتشفه اليوم علماء الفيزياء بأن للمادة حركة المادة إما أن تكون بطيئة أو سريعة ، وكذلك على صعيد الفكر والروح هناك طاقة حركية ذات درجات من التذبذب ؛ فتكون سريعة في الحالة الروحية بحيث تبدو في حالة ثبات .
الأقطاب أو الأضداد
والكون هو عبارة عن ثنائية ؛ فلكل شيء وجهان ، فالضوء هو كيان واحد له حالتان هما النور والظلمة ، والحرارة هي شيء واحد له وجهان ؛ الوجه الساخن والبارد . إذن فكل موجودات الكون لها قطبية : الكره والحب ، الخير والشر ، النهار والليل ، الحزن والفرح ،ولا بدّ للبشر من اختبار كافة المتناقضات لفهم الازدواجية .
السبب والنتيجة
ما يقع في الكون له سبب ، وكل نتيجة لها مسبِّب. وهذا المفهوم يُعرف في الهندوسية بـ”الكارما”، وهو يدل على أن ما يحدث لنا هو نتيجة لأفكارنا ، وأنّ ما يحدث في عالمنا هو نتيجة لأعمالنا ، فمن عاش التعاسة إنّما هو استجلبها لنفسه بفكره وسلوكه ؛ فالنجاح نتيجة الجهد والمثابرة .
قانون الجنس
يقرر هذا القانون أنّ لكل شي في الكون حالة ذكورية وحالة أنثوية ، وقد أشار القدماء إلى هذا المفهوم بتمثال الشمس بوصفها ذكورية في القوة والسطوع ، والقمر بوصفه أنثوي في الغموض والبرود ، وفي الفلسفة الهرمسية فالأب هو العقل الكليّ وهو بالحالة الذكورية ، وتليها الحالة التجسيدية التي خلقت كل الموجودات الكونية، وهي جميعها متواجدة في الرحم الكوني ، إذ أننا نجد الوعي بالفكرة ومن ثمّ بعد ذلك خلقها وتجسيدها.
قانون الإيقاع
فكل الأشياء لها إيقاع مثل الأرجوحة . وكل ما يصعد لا بد له من أن يهبط ، وهذا ينطبق على البشر في حالة الولادة والموت ، البناء والدمار ، طلوع الأمم ثم اندثارها ، في الشروق والغروب ، الاخضرار والذبول ، والحياة والموت في كل المخلوقات ، ونرى الازدهار في الشباب والاضمحلال في الكِبَر .
هذه القوانين السّبعة هي عماد الفلسفة الهرمسيّة ومنهجَ يفسر طواهر الكون وحركته وقواعده ، فكل الموجودات تخضع لهذه القوانين ، وفهم الانسان لها وادراكه بها يجعله أكثر تناغما مع الكون واستقرارا نفسيا ومتحققا بالسلام الداخلي .
سارة طالب السهيل

رئيسي