أقتصاد يزداد سوءاً ، وإصلاح سياسي متنازعٌ عليه !

الاردن اليوم  – المهندس سليم البطاينه

عَرّفَ قاموس وبستر (Websters Dictionary ) للمصطلحات السياسية الإصلاح السياسي أنه عملية تعديل في شكل الحكم داخل الدولة وفي إطارها السياسي القائم للانتقال من ثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة.

الجميع يدرك ان نموذج تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية في الاردن الى حد ما مختلفٌ عن نماذج الاصلاح في كثير من دول العالم ، وهذا يرجع بشكل رئيسي الى الوضع الاقتصادي المتردي والمعتمد بشكل اساسي على المنح والمساعدات والقروض ، والى ثقافة الخضوع للسلطة ،،،،، وهي سياسة تُجيد مهنة التلقين من خلف الستار ، أو من تحت الطاولة ! والمضحك أن الشخص المُلقَّن غير مسموح له أن يسأل أو ينتقد !

لم يعُد بالامكان تجاهل الوضع الاقتصادي المهترئ من حيث خطورته وتداعياته ! فأي شخص يعمل في مجال الاقتصاد والمال والتنمية والتخطيط لا يستطيع تجنب عبارة ( القدرة على الصمود ) ! وعندما تستمع الى أي مسؤول في الدولة معني بشأن ادارة الاقتصاد وتطويره وتقارنها مع آراء المتخصصين في الاقتصاد والتنمية ستتأكد أن طبيعة النظام الاقتصادي الاردني هو كائن مسخ لا يمكن تحديد هويته ولا ملامحه العامة ! لأنه اقتصاد ريعي يعتمد على المساعدات والقروض.

ومهما قيل وقال ، وما يجب ان يقال ! فالنهج الليبرالي الاقتصادي الذي قاده مجموعة من المراهقين وزعاطيط السياسة نتج عنه جرعة كبيرة من الزبائنية والفساد أدت الى الانفلات المطلق بإفساد المجتمع وأضعاف الدولة ومؤسساتها ، والى اضعاف الاداء الاقتصادي والتقليل من خياراتنا السياسية ، ومن قدرتنا على المناورة الدبلوماسية ! أو حتى المواجهة ان أقتضت المواجهة ،،، وهذا للأسف جعل سياساتنا رهينة لسياسات الاخرين وللتحولات الخارجيه في محيطنا الاقليمي والدولي.

من الواضح جداً أننا نعاني من تضخم سياسي وعجز تنموي وتخبط اقتصادي ! وقضية الاصلاح السياسي والاقتصادي تحتاجان الى فضاءات سياسية حقيقة وضبط المصطلح ،،، فنقل الاقتصاد من وضع سيء ومنهار الى وضع أفضل يحتاج الى تخطيط وجهد وسياسات ومناخات سياسية مستقرة ،،، فالجانب السياسي مرتبط أرتباطاً مُحكماً بالجانب الاقتصادي ، لان السياسة ليست إلا منهجاً لإدارة الخيارات الاقتصادية ، فالفقر السياسي ادى الى قصور النظر في عديد من قضايانا الداخلية والخارجية ، وتسبب في أزمة توزيع السلطة السياسية ،،، فإصلاح المنظومة الاقتصادية يتطلب اصلاح النظام السياسي أولاً.

ولإنقاذ الاقتصاد الاردني وحمايته أصبح لزاماً فك الارتباط السياسي مع مجموعات وشركات وبنوك ومؤسسات ماليه تتمتع بنفوذ سياسي داخل الاردن.

إن ما يميزُ أزماتنا في الاردن عن غيرها هو عنصر المفاجاة وضغط الزمن ! فالعربة أمام الحصان تلخص لنا المشهد الاصلاحي الحالي ،،، والنزول من على الشجرة يستدعي سماع أصوات الناس الذين هم أصحاب الكلمة الاخيرة في ما يحدث على الارض لتجنيبهم الانزلاق الحاد نحو مزيد من الفقر والبطالة والجوع وسوء التغذية ، فلم تعد المدارة تنفع ! وبلا مراجعة جدية لا جدوى من التجربة !

نعم : لا بد من توجيه بوصلتنا نحو الشارع ، لمراجعة مفاهيم سادت وكانت مجرد شعارات ليس لها من صدق منطقي ،،،، فالاردن مُثخن بأزماته ولا يحتاج الى مزيد من مسببات التلبك داخلياً ، وعملية الاصلاح لن تتحمل انتكاسة يكون أحد أسبابها قوى خفية تخاف على مصالحها ومصالح زبائنها ، فالاستقرار عكس الفوضى ، وهو مطلب اساسي لكل الشعوب،، ولا أتصور ان احد يختلف معي ان الاردن بحجمه وموقعه وأفتقاره للمصادر الطبيعية وندرة شواطئه بحاجة الى تفكير جديد من نوع اخر.

للإصلاح انصار وأعداء ، وهناك دائما اتجاهان متضادان وقوتان تتصارعان بشأن الاصلاح : واحدة هي الاكبر وهم الناس الذين دوماً يطالبون بالاصلاح والعدالة لكنهم لا يملكون إلا قوة الارادة ،، والقوة الاخرى هي الاقلية وغالبيتهم من أبناء التوريث السياسي ومن اصحاب المصالح الذين يقفون في وجه الاصلاح لأنه يهدد أمتيازاتهم ومكاسبهم ، والذين بيدهم كل الاوراق والنفوذ.

لنكن أكثر دقة ووضوح، البيئة السياسية الحالية طاردة للإصلاح بسبب الثقافة السياسية الخاملة لدى الكثير من الاردنيين والمسافة الطويلة بين الواقع والتمنيات ،، فالشارع على قناعة ان أزماتنا الاقتصادية ليس لها حلول ، والقادم أصعب ، والحاضر سيء ، والمستقبل بيد الله ،،، فالفقر والبطالة لطالما كانا عائقاً أمام خطط ولجان الاصلاح السياسي في معظم دول العالم.

وهذا التشاؤًم ليس جديدأً لان هناك مقياس كمي للاصلاح ، فوحدة قياس درجة الاصلاح السياسي هي الحريات وحقوق الانسان ، ولا أصلاح بغير فريق أصلاحي بحجم الموضوع يتفق عليه الجميع ! وسياسة حرق المراحل لن تقود الى اصلاح أو تغير ،، وأي بحث أو نقاش حول مسألة الاصلاح والنهضة يعني البحث في ثنائية الفكر السياسي الإصلاحي.

لا أعلم لماذا نضيع الوقت ؟ الاردن معني بقوته الداخليه من خلال استقراره السياسي ، وفرص الإصلاح السياسي باتت مرهونة على مفهوم التنمية الانسانية قبل الدعوة الى الانخراط بالعمل الحزبي السياسي ،،، أي النظر الى قضايا الفقر والبطالة والتعليم والصحة والنقل بنظرة صحيحة.

لابد من صياغة نموذج أقتصادي جديد يضمن توزيعاً عادلاً ومنصفاً للموارد والا سيصبح الاردن على حافة الهاوية ، فجلُّ استرتيحياتنا التنموية أمتصها الفساد عن بكرة أبيها ، نتج عنها أختلالات في توزيع الثروة بعدالة !

فحين يحل الشك وعدم اليقين فإن منطق الإصلاح لا يفيد في الترقيع وسيجلب الكثير من علامات الاستفهام الجديدة.

رئيسي