هل للطفل مطلق الحرية ؟

بقلم : سارة طالب السهيل 

 

تعد حرية الطفل من القضايا المعقدة والمحورية في عالمنا الحديث. فالطفل، نظرًا لعدم استكماله لعملية النمو العقلي والوعي، يحتاج إلى التوجيه والحماية ليتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة والحفاظ على سلامته وصحته الشاملة. فالمجتمع والعائلة على حد سواء يلعبان دورًا حاسمًا في تحديد محتوى والاشراف على تربية الطفل و جزء من هذا هو ما يمكن ان يتعرض له الطفل من مواضيع و مشاهد و افكار سواء كانت عبر التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت.

 

تتعدد مخاطر حرية الطفل وتشمل العواقب العقلية والنفسية والجسدية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل في حال تعرضه لمحتوى غير مناسب لعمره. يعتبر الأطفال هم الأكثر عرضة لهذه المخاطر، حيث قد يتعرضون للعنف المقرون بالصور العنيفة أو المحتوى الأخلاقي الغير اللائق، مما يؤثر سلبًا على تطورهم النفسي والاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فإن الأطفال غالبًا ما يفتقرون إلى القدرة على تحليل وفهم هذه المحتويات بشكل صحيح، مما يعرضهم للخطر ويؤثر على صحتهم العقلية والنفسية.

 

يجب أن ندرك أن هذه المخاطر ليست جديدة، فقد كانت موضوعًا معروفًا منذ سنوات طويلة. ومع ذلك، يبدو أن هناك جهودًا متزايدة في الوقت الحاضر لمساندة هذه الافكار المدمرة و كأن هناك من يلعب دورًا خبيثا على هذا الكوكب و لكن من واجبي و واجبنا جميعا محاربة هذا الفكر وحماية الأطفال. ولكن على الرغم من ذلك، قد يظهر بعض الأفراد بفكرهجينيسعون لتقديم حجج لدعم حرية الطفل المطلقة، دون أخذ في الاعتبار الآثار السلبية التي تقع على الطفل جراء ذلك .

 

يجب أن نتفهم أن توجيه ورعاية الطفل ليس مقتصرًا على الدين أو الحريات الفردية. إنها قضية نفسية وتربوية وتنشئة سليمة للطفل. فالممارسات السليمة في توجيه الأطفال تجمع بين الأديان المختلفة والثقافات المتنوعة. بغض النظر عن انتماء الفرد الديني أو العرقي أو الثقافي، فإن الاهتمام بصحة وسلامة الطفل ينبغي أن يكون هدفًا مشتركًا.

 

لا يمت الأمر أيضًا بالضرورة للتقدم أو التخلف الحضاري، وإنما يتعلق بالقضايا الإنسانية الأساسية. فسواء كنا نعيش في العصر الحديث ونتبع الموضة الحالية، أو نحتفظ بالتقاليد القديمة وأسلوب الحياة الأقدم، فإن الأهم هو أن نضمن سلامة الأطفال ونساعدهم على تطوير صحة نفسية قوية ومتوازنة ؛اذا لا حجة لمدعي التطور و العولمة و اصحاب الفكر الحديث .

 

لذا، يجب علينا التركيز على توفير بيئة مناسبة للأطفال تحميهم من المحتوى الضار وتشجعهم على اكتشاف العالم بطريقة صحية وملائمة لعمرهم. ينبغي للعائلة والمدرسة والمجتمع أن

يتعاونوا معًا لتعزيز التوعية والتثقيف حول مخاطر حرية الطفل وتوجيههم بشكل سليم. يجب على الأهل والمدرسة و المسؤولين عن الطفل أن يكونوا على دراية بالمحتوى الذي يتعرض له الأطفال وأن يشرفوا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت و يحددوا ما يمكن للطفل مشاهدته و التفاعل معه.

كما يجب محاورة الاطفال و مناقشتهم بكل وضوح و صراحة لتوعيتهم بهذا الشأن و تحذيرهم من كل المخاطر التي قد يتعرضون لها

 

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة والمجتمع ككل بكافة مؤسساته ان يكون متعاونًا و ان يكون جزءً من الحرب ضد من يحاول افساد المجتمع و مسكه من نقطة ضعفه الاطفال و يجب 

وضع سياسات وإجراءات لحماية الأطفال وتنظيم المحتوى الذي يتم تقديمه لهم و تعزيز التشريعات وتنفيذها بشكل فعال لمكافحة التعرض للاطفال و تحريضهم على اشكال مختلفة من الانحراف الفكري و النفسي والاجتماعي و الخلقي و حمايتهم ايضا من الاستغلال والإساءة والتحريض على العنف أو السلوكيات الخطرة التي يمكن أن يتعرضون لها .

يجب أن يكون لدينا رؤية شاملة لتقنين حرية الطفل و متابعة تحركاته وذلك لحمايته  بناءً على احتياجاته العمرية و مدى استيعابه و تبعا لما يجب ان يكون من اهتماماته بما يفيد نموه وتطوره و مصلحته لتكوين بيئة آمنة و صحية ومحمية للأطفال بطريقة مسؤولة، وتمكنهم من تطوير إمكاناتهم و تحقيق ذواتهم وبناء مستقبلهم بثقة و أمان تام بعيدا عن كل ما هو مضر و مسيء و هدام.

كما يمكن للمدارس والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني و الخطاب الديني والمعاهد و النوادي الرياضية و الاجتماعية أن تلعب دورًا هامًا في تقديم برامج توعوية وتثقيفية للأطفال وأولياء الأمور حول مخاطر استخدام غير آمن للتكنولوجيا ووسائل الاتصال.

فحماية الطفل ليست بالأمر السهل في هذا العصر المليء بالاشرار و الاجندات و المؤامرات ، و هذا يحتاج  توازنًا بين الحماية والتوجيه و التوعية و الحرص.

لهذا يجب علينا  جميعًا توفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال حيث يمكنهم التعلم والنمو والاستكشاف بحرية، وفي الوقت نفسه نحميهم من المخاطر والتأثيرات الضارة بمعنى ان يتعلمون كيفية استخدام التكنولوجيا لصالحهم و اخذ الصالح و البعد عن الطالح و لا يمكننا ابدا الاعتماد على الطفل و ان ابدى وعيا و حرصا فالطفل مازال قيد النمو و من هنا يجب ان يكون قيد النظر و المتابعة

فإن حماية الطفل هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأسرة والمجتمع والمؤسسات لضمان مستقبل صحي ومشرق للأطفال.

 

و يتحقق العدل بحماية الأطفال من  المحتوى الغير مناسب لعمرهم على الإنترنت، بما في ذلك المواد الإباحية أو العنيفة أو المؤذية. يجب تنصيب برامج مراقبة الوالدين وتعليمهم كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن و هناك برامج يمكنكم وضعها على اجهزة اطفالكم لمراقبة مراسلاتهم و كل ما يتعرضون له من مواقع و برامج على الانترنت خوفا عليهم ايضا من الاستغلال الجسدي باشكاله وذلك لتوعيته بمخاطر التعاطي والتفاعل مع الغرباء عبر النت وتعليم الأطفال كيفية الابلاغ عن أي محتوى أو تفاعل يثير الشكوك.

كما يجب حماية الاطفال من ما يمكن ان يتعرضون له من تنمر  وتحرش و تدخل في شؤونه و معرفة بياناته و معلوماته مما يشكل خطرا كبيرا على امنه و حياته

. ومن الافضل ان يكون هناك جسرا من الصداقة بينكم و بين اطفالكم حتى يتشجعون  الحديث معكم و مصارحتكم بمشاكلهم و تجاربهم و ما يتعرضون له من مصاعب او تهديد او ابتزاز و يجب عليكم وقتها توفير الدعم اللازم لهم و مساندتهم بكل ما يحتاجونه .

كما يجب عليكم الانتباه لتحديد وقت معين لاستخدام الانترنت خوفا من الإفراط في استخدام التكنولوجيا بشتى انواعها ناهيك عن ادمان الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي فيجب على الاطفال الانطلاق الى الحياة الحقيقية و ممارسة الحرية الاجتماعية مع الاهل و الاقارب والاصدقاء و الجيران و اللعب مع الحيوانات و في احضان الطبيعة و ممارسة الرياضة وأنشطة أخرى مثل القراءة واللعب في الهواء الطلق مع اطفال الحي فالانغلاق على الشاشات يجعل الطفل متوحدا على نفسه لا يستطيع التعامل مع الاخرين و ممارسة حياته الطبيعية

كما يجب علينا ابعاد الأطفال عن المحتوى العنيف الذي يشاهدونه أو في تفاعلاتهم مع الآخرين عبر الإنترنت بشتى انواعه من العاب و فيديوهات وكلمات و مشاهد تحرض على العنف ضد النفس او ضد الاخرين كما ان استخدام الانترنت بشكل خاطيء من الممكن ان يعرضنا لكشف معلوماتنا الخاصة امام الغرباء الذي من الممكن ان يكون بينهم المجرم و الحرامي و السارق و المتحرش  فيجب علينا حماية الخصوصية والأمان الرقمي و معلوماتهم الشخصية، وكذلك الحذر من الهاكرز والاختراق الإلكتروني والاحتيال عبر الإنترنت و السرقة و انواع الكذب و الادعاءات  كما يجب حماية الطفل ايضا من الناحية الصحية من الإشعاع والتأثير الإلكتروني وضوء الشاشات، وتشجيع الأطفال على الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن يشمل النشاط البدني والنوم الجيد.

 

فالطفل لا يمكنه الاختيار و لا يمكن ان يعطى مطلق الحرية لان الطفل يفتقد للنضج العقلي والعاطفي يعتبر الأطفال أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للمحتوى غير المناسب والتجارب السلبية عبر الإنترنت بسبب نضجهم العقلي والعاطفي المحدود. قد يكونون غير قادرين على فهم وتحليل الأخطار المحتملة أو التعامل معها بطريقة صحيحة. و لحمايته من التأثيرات النفسية والاجتماعية التي سيتعرض لها عند تعرضه للعنف او التنمر الإلكتروني و لحمايته من المحتوى غير المناسب والتفاعلات الضارة و المسيئة  التي تضعه في اطار  الإساءة النفسية والجسدية.

ويجب علينا حمايتهم عبر الحفاظ على خصوصيتهم و تأمينهم من المحتالين و الاستغلاليين والحفاظ على سلامته الشخصية.

و يجب علينا تحديد وقت لاستخدام الانترنت يجب على الطفل ان لا يتعداه في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي او الالعاب الالكترونية حتى لا يصاب بالادمان اضافة لصحته العقلية والنفسية و الجسدية و المحافظة على نظره و عموده الفقري وتركيزه و نومه

 

فالطفل لا يمكنه ابدا ان يقرر او ان يختار لانه مازال غير قادر على :

 

تقييم المخاطر و التداعيات السلبية المحتملة لتلك الأمور.

 

افتقارهم إلى الوعي و الادراك و الدراية التامة بكافة الامور و افتقارهم الخبرة والنضج العقلي لاتخاذ قرارات مناسبة وتحمل المسؤولية و عدم مقدرتهم التمييز والحكم على الاشياء و الاشخاص

 

وعدم قدرتهم على الدفاع عن انفسهم و حماية ذواتهم

من المخاطر المحتملة في العالم الافتراضي. فهم لا يستطيعون استخدام وسائل الكبار و حنكتهم و دهائهم و خبثهم فهم مازالوا يحملون البراءة و اللين كما انهم لا يستطيعون تقييم البشر و تفسير الاحداث و لا يمكنهم ايضا تحديد الأماكن الآمنة و الاشخاص الموثوق بهم كما قد ينقص الأطفال القدرة على التحكم في وقتهم و التوازن في حياتهم بين استخدام التكنولوجيا والانترنت و بين الدراسة ًو الرياضه و التفاعل الاجتماعي الحي و المباشر  يجدون صعوبة في التركيز على الأنشطة الأخرى والحفاظ على توازن حياتهم اليومية.

ينقص الأطفال الوعي والمعرفة اللازمة لفهم المخاطر والتحديات التي يمكن أن يواجهوها عبر الإنترنت وفي التكنولوجيا لان الاستخدام العشوائي من الممكن ان يؤدي الى نتائج لا يحمد عقباها من الانتحار و الاكتئاب وسرعة الغضب و الانهيار النفسي و التوحد على الذات و العزلة الاجتماعية و البعد عن الاهل و الجمعات الاسرية و غيرها كثير و من هنا نقول

الأطفال امانة في اعناقنا يجب حمايتهم و الحفاظ عليهم حتى يصبح كل واحد منهم بالغ راشد عاقل واع فاهم مدرك و بسن يؤهله للاختيار و اتخاذ القرار و المضي قدما في حياتهم و شؤونهم العامة و الخاصة 

سارة طالب السهيل 

 

رئيسي