الاردن: مأزق فقدان الثقة ! والدعوة لمراجعة أوراق الداخل المبعثرة كاملة.

المهندس سليم البطاينه

 

يقول المفكر والطبيب الفرنسي Gustave Le Bon في كتابه ( سيكولوجية الجماهير ) أن الثقة هي كلمة في انتقال مجتمعات من حال إلى حال ، وأول خطوات الثقة أن تكون في وضع السيطرة وليست في وضع التسلط ( انتهى الاقتباس ).

الثقة ليست رصيد قابل للتعبئة وهي من المصطلحات التي يصعب تحديد معناها ، إذ لا يمكن الإحساس بها إلا عند فقدانها ،،، وأكبر مثال ما حصل قبل أشهر بعدم قدرة الحكومة على ترويج مطعوم الحصبة MR الهندي ،،، وليس رَجماً في الغيب ان الاردن من شرقها إلى غربها يسودها الإحباط وفقدان الثقة ! والخبر الذي تعلنه الحكومة سرعان ما يكذبه آخرون.

الصورة لا تحتاج إلى توضيح ! فعند بدأ الاتهامات والتخوين تتوه الحقائق ، ويحصُل خللٌ في وعي الناس ، ويَفسدُ المناخ السياسي ،، ويُخيمُ على البلاد ظلام غياب الاقتدار السياسي ،،، ولا يبقى معنىً لتحديد من على حق ومن على خطأ.

لطالما عُدّ مؤشر الثقة واحداً من أبرز أساسيات الحكم ، وأحد مؤشرات قوة المجتمع ،،، وكلماتي هذه يُفترض أن يُثير القلق إن كان هناك بعد من يقلق ! ودعونا هنا نفتحُ باباً جديداً للتباكي على أخطر المصائب التي تُصيب المجتمعات ، ألا وهي فقدان ثقة الناس في الدولة ! فـ وصول أي دولة في العالم من ضعف الثقة بينها وبين مواطنيها يعني بالدرجة الاولى تآكل الدولة نفسها ،، وتحلُل أساس مجتمعها ،، وحصول العجز في رأس مالها البشري ! والدولة حينها ما عليها الا انتظار المجهول !

إننا نقترب من مرحلة جديدة مختلفة عما سبق ! بدأت للتو يكتنفها قدر كبير من الغموض ناتجة عن مضاعفات حرب غزة ، وهناك أسئلة كثيرة أثارتها عملية طوفان الاقصى تستدعي ردم الفراغات المجهولة خوفاً من أن نصل لمرحلة لطم الخدود واستئجار الصائحات النائحات من النساء.

نعم ،،،، لقد أرهقنا حال الأردن اليوم ! ولا يمكنُنا بأي شكل من الأشكال تحميل الأردنيين مسؤولية فقدان الثقة وتصاعد مشاعر التخوين لديهم !! لأن شعورهم بالعجز والضعف لم يجعل منهم أكثر من متفرجين.

ان تصاعد مشاعر التخوين وفقدان الثقة يتطلب عقولاً واعية ، وإدراكًا بالمسؤولية عما جرى ، تضع أمامها أولويات التغير منهجا وعدم الانتظار ، وعندما تتصفح وجوه الناس في الشارع الأردني تجد مستوى الثقة المفقودة بينهم وبين مؤسسات الدولة ! فـ حين تثق الشعوب في حكوماتها فأنها مستعدة للاستجابة لكل شيء خاصة أوقات الأزمات.

الفجوة متنامية ، والدولة لا تعي خطورة فقدان ثقة المواطن في الدولة التي ينتمي إليها ! ولا تعرف النتائج المترتبة عن وصول مواطنيها إلى تلك الحالة النفسية والعقلية !! وما زالت مُصرة على احتكار التمثيل لوحدها ، ولا تُريد أن يكون هناك فاعل سياسي غيرها في الساحة ! فهي من تقرر من يمثل السياسة ومن يذهب إلى البرلمان وإلى البلدية.

نحن تائهون ، ولا توجد جدية في الحوار مع أياً كان ! فكل شيء تم إفراغه من محتواه ! ومصطلحاتنا أصبحت مُستهلكة ! وأتفه القضايا صارت هي الاولويات ،، ولا زلنا لا نعرف من أي زاوية يمكن لنا أن نرى منها ؟ فمنذُ أحداث الربيع العربي لم تتعامل السياسة الداخلية الاردنية في مختلف أبعادها مع نظرية تعدد البدائل بشكل حقيقي على المستوى الداخلي ! والدعوة لمراجعة أوراق الداخل كاملة غير ناقصة هي شأن صالح لكل زمان ومكان ، وعملية غير منتهية تستحق مراجعة دورية ومستدامة للبدء في تغير مُجمل السياسات والتشريعات والاتفاقيات الاقتصادية التي عُقِدت في غفلة من الزمن.

عملياً الاردن صمد في عمق منطقة متفجرة ،، وموقفه الرسمي والشعبي من أحداث غزة موقف مُشرّف لا يستطيع أحد التشكيك فيه ،،، لكن لا يسعنا وصف ما يجري سوى بالكارثة ،، فنحن على خط الحديد والنار جيوسياسياً  ، و المتغيرات من حولنا مُتسارعة ومشهدها مُتحرك ،،، وأحياناً لا نقرأ ! وعندما نفعل تكون قرأتُنا متأخرة كونها اعتمدت على تجارب الماضي.

بالتأكيد لسنا بحاجة إلى دهاء ( ماركس ) أو عبقرية ( إينشتاين وديكارت ) لاستعادة كل ما هو مفقود ،،،بل الى وجود دينامية سياسية وفاعلين سياسيين محترفين ، حاملي رؤى وأفكار قابلة للتنزيل ، فـ من أكبر المخاطر التي عرفها الأردن خلال عقدين من الزمن هو فساد غالبية نُخبها.

والسؤال الذي لا انتظر اجابة عليه لمعرفتي بإجابته، والذي هو سبب نوبات القلق والخوف الذي يحمله الغد لنا ،، بل أطرحه في محاولة مني لفهم كيف تفكر الدولة ؟ ومن هو المستفيد من ترك هامش الثقة يكبر ؟ ومن هو الرابح ومن هو الخاسر من كل ذلك ؟ وهل الحقيقة تحتمل وجُوهاً متعددة ؟

للأسف خطوطنا لا زالت متباعدة والود مفقود ! وهذا التباعد تسبب بغربة سياسية بحيث باتت نظرية المؤامرة واللعب تحت الطاولة تحكُم نمط تفكير معظم الأردنيين من أغنياء وميسورين وفقراء، ورغم ثقل وبؤس الجو المعبأ بنظريات المؤامرة المسيطرة على العقول والأحداث قد نتحمل خيبات الامل لكن لن نقبل العبث، فحجم الثقة بلغ حد فقدان الامل.

الأردنيون شعب طيب ومدد محسوبة وقليلة تذوقوا فيها الراحة وسرعان ما يتفاعلوا مع كل ما يُقدم لهم من بصيص أمل.