مهرجاناتٌ ومؤتمرات

الأردن اليوم – د. خليل الرفوع

يقصَد بالضوابط الاجتماعية مجموعة القيم الدستورية والأخلاقية والاجتماعية والفكرية التي تضبط المجتمعَ كله حُكَّاما ومحكومين أفرادا وجماعاتٍ ، بحيث يشكِّـلُ الخروجُ عليها نقضا للعقد الذي توافق عليه الناس وشكَّلَ نظاما يحتكمون إليه ، وفي ضوئه يكون مرجعا للحكم القضائي وألسنة الناس وعقولهم قَبُولا أو رفضا ، وثمة محدداتٌ عامةٌ وخاصةٌ تضبط المجتمع الأردني ؛ لأن أي انفلاتٍ فيه أو تنَـكُّر لها يمثل خروجا على البنية المحْكَمَة مما يشكل صَدْعا إن توالى لا يمكن التكهُّنُ بعواقب سيرورته ونهاياته ، ولقد توالت في السنوات الأخيرة بعضٌ من تلك المظاهر ، كإقامة حفلات جماعية صاخبة يتخللها أعمال سادية وطقوس وثنية مُنْكَرَة لا تخدش الحياء العام وحسب بل تخدش صورة الوطن التي اتسمت عبر سنينه الطوال بالعفة والكرامة ، وهو عرين العروبة ودار الإسلام ، كما أن المادة الثانية من الدستور تنص على أن دين الدولة الإسلام ، والدين لا يتجزأ ، كما أن الوطن لا يتجزأ كذلك ، واللافت للمراقب أن المجتمع كلَّـه عبر منصاته ومواقعه المختلفة قد أنكر هذه الظواهر قبلَ أن تتدخل مؤسسات الدولة لمنعها أو تحويل منظميها للقضاء ، بيد أن ظاهرة أخرى تتقاطع مع هذه الظواهر المستفزة وهي السعي لإقامة مؤتمر ” السرديات الإسلامية الجديدة وانسدادات المجتمع الإسلامي” ولا ندري نحن المثقفينَ ما علاقة السرديات والانسدادات بعبارة ( ميلاد الله )، فأن تخصصَّ ندوة بهذا الاسم يعني أن القائمين عليه يُقِرِّون بأن الله تعالى له ميلاد وله موت لا يختلف عن ميلاد البشر وموتهم ، ومما يسترعي الناظر أن التدخل في منع هذا المؤتمر جاء من الحكومة بعد تدخل بعضٍ من النواب ، وكيف يحكمون بانسدادات المجتمع الإسلامي وهو مجتمع كغيره من المجتمعات له أخطاؤه وخطاياه وحسناته وتناقضاته ، لكن هنالك معيقات مانعة تحوْلُ بينه وبين أهليته في التفكير الحضاري مقارنةً مع مجتمعات أخرى، وليس ثمة علاقةٌ بين الانسداد والدين ، ولو كان الأمر كذلك فكيف يفسرون انبلاجَ الحضارة العربية الإسلامية وامتدادها قرونا طوالا، فمحاولة اللمز والغمز من الخالق وأنسنته بدوافع عقدية إلحادية هو : إساءة مكشوفة للمجتمع .

إن المحاججة الفلسفية لا تتمظهرُ في التمرد على ما هو معلوم بالدين بالضرورة ، والخطاب العقلي لا يكون بالسعي لهدم فكرة اعتقادية يعيش ويموت عليها المجتمعُ ، ولقد أضحت داعش وأخواتها مطية لأولئك المتسلقين على جهلهم وانحرافاتهم وخطاياهم لخلخلة الثوابت لتصبح متحوِّلاتٍ ركيكةً يمكن هدمها ، وقد ضاقت بهم سبل الحوارات العقلية والنقاشات المنطقية فتسربوا عبر جدلياتهم الواهية إلى ركيزة اجتماعية توافق عليها الناس بحثا عن أمجاد شوفينية تظن أن الهدم وسيلة للرزق والظهور وتفكيك الآخر للانقضاض عليه من بعدُ أيا كان لتدميره ، فهل انكشفت الوجوه والظهور ، أم إنهم لا يزالون يصدحون في نهاراتهم أن المجتمع قوة ظلامية ينبغي أن ينجلي ليلها بصباحاتهم الإلحادية الفلسفية ، نحن ضد منع أي مؤتمر يتناول قضايا فكرية أو فلسفية أو علمية ، وكان على أولئك المنظمين الذين يزعمون أنهم من الباحثين في العلم والفلسفة ونظريات الفكر الإلحادي والإيماني أن يدعوا العلماء جميعا لمؤتمرهم وأن يبتعدوا عن قضايا لا يمكن بحثها إلا في غرف مغلقة عليهم وحدهم ، فالأمة لا تتقدم بإلحاد عبثي وفلسفة طوطمية ، بل تتقدم بفكر يستند إلى مرجعية واضحة تنبثق من عقل منوَّر متنور يؤمن بالدين محركا ومحفزا ومستفزا ، فالجدليات المادية لا تصنع أمة بل تنظِّرُ جدلا ينكر الآخر ولا يؤمن به ، ويسعى إلى إلغائه واقعا وخيالا ، والمحاججة حينما تكون على الملأ تكون انضباطا عقليا وأخلاقيا ، فليقل كلٌّ رأيَـه وتبقى سلطة المجتمع بمثقفيه وأحكامه وقوانينه ومرجعياته قوةً لا يمكن تجاوزها ، فالانفلات الفلسفي السطحي الساذج يتوازى مع انفلاتاتٍ أُخَرَ قد تؤثر في تفكيك أنسجة المجتمع تخريبًا وهدمًا وليس إصلاحًا وبناء .

رئيسي