الثقافي والسياسي.. ماذا بعد فك الارتباط؟

الأردن اليوم – فارس الحباشنة

الزعيم الانجليزي تشرشل في الحرب العالمية وتحت وابل قصف الطيران الالماني النازي عندما طلبوا من حكومته تخفيض موازنة الثقافة وتوجيه الميزانية لدعم المجهود الحربي، اجاب : اذا لم يعد هناك من ثقافة، فلماذا إذن نحارب ؟ لربما هو سؤال ينسحب اليوم على راهن عربي في مسألة الثقافة، وما ينزلق من انحدار وتردٍّ وتراجع وامية ثقافية.
عندما يتعطل إنتاج الأسئلة، ويصعب الحديث عن أي مراجعة لأزمة تجديد القوة الناعمة الوطنية، وما قد تعرضت اليه من تهميش وتآكل وتجريف وتضليل، وأصبح الحديث عنها أشبه بالبكاء على أطلال. الثقافة والفكر والفن والاعلام قوة مقاومة للتردي والهمجية، والعودة الى مربع الجاهلية. وهذا ما تتصدى اليه بادوار تاريخية واجتماعية، وهو غائب ومفقود وطنيا وعربيا.
العطب والعطل الثقافي والفكري من مولدات الازمة السياسية. ومن الصعب العزل والفصل بينهما، ولربما أكثر ما هو لافت في المجال العام البحث والاستقصاء المستحيل عن شاعر وروائي ومثقف ومبدع، وقوة ناعمة تدافع وتحارب من أجل الكلمة والحرية والابداع.
الثقافة /المثقف ما عادت تؤدي دورا في عالمنا العربي، وهناك تحول بنيوي في الدور الوطني والسياسي للمثقف وعلاقته في السلطة، وتفرعات إنتاج القلق العام بطرح الاسئلة، وتقويم ومراجعة العقل الرسمي وسياساته، بدل المهادنة والتبعية والاسترخاء بأحضانها.
عندما يتعطل المجتمع عن إنتاج فكرة ورأي ومشروع «فاقرأ عليه السلام «. طبعا في النسخة الاخيرة مما يسمون ليبراليون فانهم لا يولون للثقافي أي رعاية واهتمام في مشروعهم، ولا تقل نظرتهم سوءا وتهميشا واقصاء عن ايدولوجيا الدينية « الاسلام السياسي «، ولا تحتل الثقافة أي مكانة في مشروعهم، وهو نمط يمتد في السياسية العربية من المحيط الى الخليج.
اموال باهظة تستثمر في صناعة الجهل وترك سوسة التطرف لتنخر ضمائرنا، وفرض أمية التعليم لا تعني فك الخط والحروف. وضرب التعليم وإفراغه من روحه الوطنية والانسانية، وتفريغها من الوعي السياسي، والسؤال الحضاري والانساني، وبلا شك لا أرى أن تلك السياسات بمحض الصدفة تتشارك بها البلاد العربية.
في إرهاصات مشروع النهضة العربي، فان مفكرين ومثقفين تصدروا المجال العام، طه حسين وقاسم وامين وتوفيق الحكيم محمود عباس العقاد ونجيب محفوظ، ممن كانوا شركاء وتلازموا في صناعة التغيير في السياسة والاجتماع العربي. في عودة الروح لتوفيق الحكيم الذي كان مهلما لمشروع التحرر الاشتراكي ومجانية التعليم والثورة على الاقطاع الزراعي.
و في غمرة الصراع السياسي فان المثقف كان حاضرا في عواصف التحولات الاجتماعية وشريكا في صناعة المستقبل. وذلك، رغم وجود الخطأ والصواب في الحقب السياسية العربية، الا أن المثقف كان واقفا وصامدا ومتحديا، وطارحا للسؤال في الابداع الفكري والثقافي. ولربما أن الفراغ كان مدويا عندما تعاقد وتحالف السياسي مع الديني، وأتت في حقبة ما بعد هزيمة 67، وحيث اصاب الثقافة العربية عطب واجترار وعطل.
ومن هنا يمكن القول أنه قد جرى الانقضاض على موروث ثقافي عربي، وعلى تجربة التحررية الاجتماعية ومشروعها الثقافي، ومما لا مثيل له اليوم بان ترى أميين واشباه مثقفين ودعاة علم ومعرفة وثقافة يتصدرون الواجهات العامة، ومما انطلى من تحته أيضا هزائم كبرى أصابت صلب الدولة الوطنية، وهزت عروش الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد العربية.
المراجعة ضرورية، واعادة السؤال عن فك الارتباط ما بين السياسي والثقافي، ولربما هو موجه للتاريخ والمستقبل، وحتى لا نهدر ونحرق ونستهلك دون وعي مزيدا من الدورس والتجارب والمحطات النيرة والمضيئة والمشرقة، وننحاز وننجر نحو الهاوية والعدمية والضياع والتيه.