التوجيهي … يا طخه يا إكسر مخه

97

عائشة الخواجا الرازم
في مثل هذا اليوم … يوم لعلعة نتائج التوجيهي …عام 1997 لم يكن في أيدينا سلاح إلا البكاء والحزن لموت العدالة … وتغول البطش والكذب والافتراء وإحقاق الظلم بقانون الغاب …و
في ذلك اليوم …سأحدثكم في الليل …في الظلام !!!
هذه هي الحكاية التي لا يصدقها عاقل ولا مخبول !
نالت ابنتي ريم جبريل الرازم في المدارس الأمريكية، منحة التفوق وبقيت الأولى في الثانوية حتى صدور النتائج!
كان الجميع وعلى رأسهم الأستاذ المربي الداعم للأجيال تيسير الزامل ، يقف سعيدا لاستقبال نتيجة ريم ونحن في هدوء وثقة واطمئنان بأن ريم هي من أوائل المملكة !
انفجرت الصاعقة وعمت البرودة أطرافنا حينما اتضح أنها حصلت على ٨٧ % علمي !!!
ريم رفضت النتيجة وأغمي عليها ، واشتد الوقع المؤلم على المدارس المتأملة … ! وعلينا … وريم ابنتي الحبيبة لم تصدق أبدا وأقسمت أن هذه ليست نتيجتها!

تم الاجتماع مع وزير التربية والتعليم … المرحوم الدكتور منذر المصري، ورئيس الامتحانات د. سالم أبو طبنجه والدكتور عزت جرادات وهيئة رسمية من الوزارة .والأستاذ أيمن البركات ..ومستشار الوزارة القانوني. واتفق الجميع على الكشف على ملف امتحان الطالبة الحبيبة ريم !
حضرت ريم وحضرت أنا وحضر والدها وأختها ميس ومحامي العائلة…
ولا بالأفلام تم فتح الملف وقرر الجميع قراءة علامات ريم … ودقت القلوب وارتعشت أطراف الجميع.
علامات علمية شبه كاملة تخولها بالحصول على مرتبة أولى في المملكة .
يا للهول : أين الخلل ؟
إنه موضوع التعبير!!! التعبير المقرر باللغة الإنجليزية !
راسب !!!! ثلاثة من خمسة عشر !
ضرب الدكتور عزت جرادات كفا بكف وقال : شو … ؟ علامات علمية كاملة وشبه كاملة وترسيب الإنشاء الإنجليزي ؟
تناول الوزير ورقة الملف وخيم الوجوم!! كل العيون تنظر إلى الطالبة المذهولة!
وضعت ابنتي ريم وجهها بين كفيها وهي تهمس : أنا أولى إنجليزي … وأكتب مقالات وقصص بالإنجليزية والعربية … مع إني علمي.. ويغتالونني بالتعبير الإنجليزي ؟
قام الدكتور منذر المصري من مكانه وأمسك بيدها وقال : سيتم تقييم موضوع التعبير وتشكل لجنة من مختصي اللغة الإنجليزية ! وفجأة تدخل الأستاذ مدير الامتحانات أبو طبنحة قائلا:
الموضوع يثير القلق وواضح في الموضوع مصيبة …والله مصيبة … والله حرام ان علامات العلمي طالعة علمي كاملة …وخاصة أن قانون الوزارة لامتحانات التوجيهي يحرم التراجع أو المقاضاة !
وأسقط في أيدي الجميع وهم يعلمون …
صرخ محامينا الجالس معنا : جريمة يا معاليك …الخسارة للطالبة ريم … والله جريمة ! وهذا ظلم فادح … هذا قانون غاب !
وبعد محاولات استمرت أشهر جاءنا قرار بعدم التراجع عن النتيجة!
ريم … ! أسطورة الحزن والصبر والاحتمال … ريم … إن ما جرى لهذه الطالبة التي هي ابنتي يرفع ستارة نتائج اليوم ! ايعقل أن تصطاد طالبا وتخفض علامته بالتعبير وهو متفوق باللغة نفسها وتبيع ضميرك لغرض يعلمه الله …لأنك لم تتمكن من العبث بالأوراق الأخرى، فاخترت المادة اللينة القابلة للعجن…
كم كان عبقريا ذاك المعلم الذي عبث بورقة التعبير وأسقط العلامة من خمسة عشر إلى ثلاثة !
قرأ موضوعها أحد رموز اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد شاهين …وكان تقييمه قائلا : لو كان المصحح أنا لمنحت الطالب هذا أربعة عشر من خمسة عشر وهذا أعلى علامة ممكنة في التعبير .. ولحصلت على معدل ٩٨ بالمائة …
… في الحقيقة المؤلمة أن القانون لا يمكن أن يعيد النظر في حق الطالب المهضوم… فكيف يحصل طالب على مائة بالمائة ولم يتعرض للتنقيب بموضوعه الإنشائي الذي كتبه طه حسين له ؟؟؟
كل موسم امتحانات أذرف على أجيال هذا الوطن دمعة من عين ابنتي ريم …! وتعيدني الذكرى موجوعة !
للعلم ابنتي ريم لم تستسلم ودرست العلوم السياسية في الجامعة الأردنية وكانت اولى الكلية في كل فصل ويتم تكريمها … دون ان تستلم مكافأة التفوق المائة دينار المخصصة للأوائل … وعندما أخبرتها أختها ميس التي تدرس العمارة بأنها تتسلم مكافأة كل فصل من العلوم والتكنولوجيا استفسرت ابنتي ريم عن هذه المكافأة …فقيل لها أنت على نظام المكرمة لأن والدك ضابط طيار في سلاح الجو … فجابهتهم قائلة: شقيقتي ميس في العلوم والتكنولوجيا وعلى نظام المكرمة وتتسلم مكافأة تفوقها كل فصل ! فأخرج بعض القوم ! شيء مؤسف!
تم تشكيل لجنة لمعرفة أسباب إخفاء مكافأة ريم طوال فصول تفوقها … جلست مع عميد شؤون الطلبة الدكتور سلامة النعيمات فتعهد بأن يبحث عن الأسباب التي تفرق بين نظام مكرمة ومكرمة في جامعات رسمية !
فاكتشف ما لم أحب ذكره هنا ! وحاول المعالجة … فذهبت المكافأة لأربع سنوات أدراج الرياح !
ريم حصلت على منحة الماجستير في لندن لتفوقها وابتعاثها ، ثم فجأة تم استبدال ريم بطالبة أخرى!
تعهد زوجي بتدريس ريم الماجستير على حسابه الخاص في الجامعة الأردنية…تفوقت وحصلت على المرتبة الأولى في American Political Studies…تم تكريمها …
في الجامعة الأردنية…
تزوجت وأنجبت ثلاثة أولاد ودرست الماجستير مرة ثانية و الدكتوراة وتعمل والتفوق في حياتها نهج وكبرياء ونسيان للظلم الفادح للشباب … وتضحك كلما ذكرت صديقنا ( أبو طبنجة ) كيف قال : والله لو إني حامل طبنجة لطخ اللي نزل معدلك يا ريم …لكن والله ما باليد حيلة !
انا أقول الحيل كثيرة …وتعددت الحيل والوطن واحد !

اترك رد