بؤس التجربة الانتخابية الأردنية

97

كتب د. ماجد الخواجا
لن تجدِ ولن تنتج أية انتخابات نيابية أو بلدية أو غيرها هيئات تشريعية يعتد بها من الناحية الديمقراطية.
مستغرب كل هذا النقد والتجريح والسخرية من ممارسات أعضاء ما يدعى بمجلس النواب.
كيف لنا توقع أن يكون شكل وأنشطة مجلس النواب بغير الصورة التي اعتدنا عليها والتي تتكرر منذ أول مجلس تم الزعم بانتخابه.
لن تكون هناك انتخابات ترفع من شأن الحياة السياسية في الدولة دون أن نولي العناية بالروافع الديمقراطية الحقيقية. إن الانتخابات النيابية تتسم بعدد من الشوائب التي أصبحت احدى سماتها الرئيسة والتي تتمثل بما يأتي :
أولاً: التزوير والتدخل في نتائج الانتخابات، وهذا التزوير يتم عبر:
1- طرق مباشرة : مثل التدخل الحكومي أو الأمني في الصناديق ومخرجاتها ، فالأصوات التي تدخل ليست هي التي تخرج من الصناديق. هذه الطريقة باتت ساذجة وغير مستساغة وتشكل أداة ضغط وإدانة للدول التي تستخدمها من قبل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. ولم تعد أقسى الأنظمة الديكتاتورية تتبع مثل هذا الأسلوب.
2- طرق غير مباشرة تتمثل في:
– الضغوط والاعتبارات الجهوية والعشائرية والاجتماعية التي تجعل المعيار الوحيد للانتخاب درجة الولاء الشخصي للمرشح لا الكفاءة أو الأحقية الديمقراطية.
– المال السياسي والأسود : هذا المال الذي يتم ضخه من طرف المرشحين ذوي الملاءة المالية ليحصدوا أصوات الناخبين عبر ما يدعى بشراء الذمم والأصوات.
– الاستخدام الديني : حيث يتم اللعب على مشاعر ووجدان الناخبين من خلال الدعوة لانتخاب أصحاب اللحى أو من يرفعون شعارات دينية تتوسل الغرائز الفطرية لدى الناخب.
– الدعم الرسمي غير المباشر : هنا بتم دعم مرشح على حساب بقية المرشحين من خلال التغاضي عن سلوكات وممارسات ، أو من خلال حشد الأصوات ، أو من خلال تشويه صورة مرشحين أقوياء، وغيرها من الأساليب التي توفر وتهيئ الفرص لكسب المقعد للمرشح المدعوم.
ثانياً: تغيير هوية وغايات الانتخابات : لم يقم مجلس نيابي بمهامه المنصوص عليها دستورياً والمتمثلة في التشريع والرقابة على أداء الحكومة أو السلطة التنفيذية، وهذا عائد إلى كون الانتخابات تفرز أفراداً لا حزبيين، بحيث يصبح العبء كبيراً على النائب لإثبات جدارته الشخصية في المجلس ومداولاته، حتى أصبحت كلمة النائب تستتبعها كلمة خدمات وليس تشريعات، فصار متداولا بيننا مفهوم نائب الخدمات الذي يقف على باب الوزارات والادارات الحكومية يتوسل استحداث شارع أو توسعته أو تطوير مدرسة أو تعيين مراسل أو علاج مريض وصولاً إلى حصص مقاعد الحج.
ثالثاً : نظام الانتخابات : لم تقم الدولة حتى الآن بتوفير نظام انتخابي كفؤ وعادل ونزيه بما يؤهل لإيصال المرشحين الذين يستحقون لقب نائب وطن رقابي تشريعي.
إن الانتخاب بقانون الصوت الواحد وتعديلاته بما سميت القائمة الوطنية سواء المغلقة  أو المفتوحة لم يسهم بتحويل المجلس إلى منظومة نيابية سياسية حزبية، بل في كل مرةٍ جرت فيها الانتخابات كانت تفرز مجلسا خدماتيا مقاولاتيا مكتظاً بكافة أمراض المجتمع التي جعلتنا نشاهد ممارسات أقل ما يقال فيها أنها خارجة عن كل العمل النيابي المتعارف عليه.
رابعاً : الواقع الحزبي والحياة السياسية : باستثناء الاتجاه الاسلامي ( جماعة الإخوان المسلمين) ، لم تنتج الدورات الانتخابية للمجلس النيابي قوائم وتكتلات وجسم حزبي نيابي فاعل وحقيقي ومستقل عن قرارات واملاءات السلطة التنفيذية. وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى تشظي واقع الأحزاب والعمل الحزبي ، وعدم توفير المظلات الرافعة في قانون الانتخاب بما يجعل الناخب مجبراً على التعامل الحزبي عند الاقتراع.
وأثبتت فكرة القوائم الحزبية مهزلة الأمر حيث بينت أنه لكي يحصل الحزب على مقعد نيابي واحد ، تكون الأعداد المطلوبة من الأصوات والكلف المالية أضعافاً مضاعفة مقارنة بالمقعد الذي يحصل عليه الفرد غير الحزبي. وصرنا نسمع كلمات من قبيل (( الحشوات ، البوق )) حيث يضطر المشح القوي إلى تشكيل قائمة انتخابية تضم أشخاصا لمجرد العدد وتحقيق المتطلبات والشروط للترشح كقائمة.
خامساً : الأنظمة الحاكمة لمجلس النواب : في ظل الأنظمة والتعليمات التي يسير عليها مجلس النواب، من حيث طريقة طرح الأسئلة النيابية والاستجوابات وآلية الردود ، وطرق تشكيل اللجان النيابية وآليات عملها، والتدخل المباشر لما يدعى بنواب الألو والاتصالات التي تغير مجرى أو توصية أو قرار لهذه اللجنة أو تلك، هذه وغيرها ستبقي المجلس عاجزاً عن ممارسة أدواره التشريعية والرقابية.
نخلص إلى أن واقع الحياة البرلمانية سيبقى مجرد واجهة ديكورية تجميلية لا تعبر عن حياة سياسية ونيابية وحزبية حقيقية طالما بقيت الطرق الانتخابية ذاتها، وبقي التدخل المباشر في عمليات الانتخاب وفي عمل المجلس وفي استخدام أساليب العصا والجزرة مع النواب، وطالما بقيت الأحزاب على ضعفها وهوان أمرها، وطالما بقي النائب مستفيداً من واقع الحال النيابي بشكل شخصي، وطالما بقيت الكوتا التي لم يثبت حتى الآن جدواها.
فإننا سنبقى نشهد ذات المشهد النيابي القائم على One Man Show وعلى الألو وعلى خدعة نواب الخدمات.
يتبع في الحقة القادمة

اترك رد