الرسائل الملكية في لقاء النوّاب

97

د. محمد طالب عبيدات

حمل لقاء جلالة الملك المعزّز مع السادة رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية الكثير من الرسائل الملكية السامية بخصوص الإصلاح والأوراق النقاشية والمسؤولية الوطنية والتحدي الإقتصادي والحفاظ على الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر وغيرها، لكنني هنا سأركّز على قراءة الرسالة الملكية بخصوص المسؤولية العامة، فكانت الرسالة الملكية واضحة بضرورة استقالة المسؤول العام غير القادر على الإنجاز أو الذي لا يمتلك رؤى تطويرية أو المتقاعس أو الذي لا يمتلك ثقة اتخاذ القرار أو الذي لا يمتلك صفات القيادة ومهارات الاتصال والعمل بروح الفريق.

فالعمل العام شرف وتكليف لا تشريف، وكانت الرسالة الملكية واضحة لمن لا يقومون بواجباتهم الوظيفية ضرورة الاستقالة والتنحي واعطاء الفرصة لغيرهم ممن هم متحمسون لخدمة الوطن الأشم، فالاستقالة للمقصرين أهون من الإقالة، والمسؤول في الموقع العام من المفروض أن يكون سادنا لمتلقي الخدمة لا فوقيا عليهم، ولا يبحث عن شعبويات رخيصة على حساب المؤسسة والوطن، والمسؤول في الموقع العام عليه تطبيق القانون وأن يكون عادلاً وشفافاً ونزيهاً وأن لا يكون شللياً ولا طائفياً ولا مناطقياً ولا متخندقاً ولا منتقماً ولا مُصفّيا لحسابات ولا صاحب أجندات خاصة.

المؤسسات العامة مُلك لكل الأردنيين فهي ليست ممتلكات أو مزارع خاصة؛ فكل الكفاءات الأردنية مُهيّئة لاستلام موقع المسؤولية؛ لأن الكراسي دوّارة، وأبجديات واجب الموظف أنّى كان سواء في القطاع الخاص أو العام تقوم على تقديم الخدمة المميزة عن طيب خاطر لمتلقي الخدمة، وواجب المسؤول احترام الموظف وتحفيزه إن كان مبدعاً وتوجيهه ومساءلته إن كان مقصراً، لكن للأسف معظم الممارسات على الارض فيها من السلبيات الكثير.

فالتوجيهات الملكية السامية تضع الحكومة على المحك لمحاسبة أي مسؤول مقصر في خدمة المواطن وهذا يثلج الصدر، ويضع الكرة في مرمى الحكومة لعمل ثورة بيضاء في الاصلاح الاداري والمالي وفي مرمى المجتمع لتغيير ثقافته المجتمعية، وكي نفكّر في حلول خلّاقة لذلك، لنعترف بأن الترهل الاداري والابتزاز الوظيفي والتقصير وعزف الاوتار وعدم إتقان العمل أو القيام به خير قيام والواسطة والمحسوبية والشللية والفساد الاداري والمالي وغيرها موجود عند بعض أصحاب النفوس المريضة.

فنستطيع من خلال الحكومة الالكترونية وأتمتة وحوسبة بعض الخدمات التخفيف من بعض قضايا التقصير في الوظيفة العامة، لكن الاهم أن نضع مخافة الله بين عيوننا ومحاسبة الضمير في وجداننا والجانب الانساني ومواطنتنا وانتمائنا في قلوبنا لتستقيم الامور بوازع داخلي، وكثير من الموظفين يعملون إرضاءً للمسؤول وأمامه فقط دون العمل بمؤسسية أو بمنظومة أخلاقية او وظيفية أو ضميرية، وكثير من المسؤولين -وخصوصا من خدمتهم طويلة- ينظرون لمؤسساتهم كمزارع أو مملكات تؤهلهم لابتزاز موظفيهم دون مساءلة!

وأحياناً يتذرع البعض ويستغل موقعه لتأجيل معاملات الناس أو العمل باستبطاء، أو التبجح بحجج واهية للمغادرة وتقليل الانتاجية وتأخير متلقي الخدمة دون خوف أو وجل أو ضمير يحاسبهم، فأعجب من أننا ندّعي الايمان والضمير والبعض لا يقوم بواجبه على ما يرام! وأعجب لماذا نرى الغرب يقومون بواجباتهم على أتم وجه رغم أننا ننعتهم بالكفر! ففي القلب غصة، ونتطلع لمحاسبة كل مقصّر فالدين المعاملة.

ربما وضع مؤشرات الاداء القابلة للقياس والتقييم المستمر والمحاسبة والمساءلة وتطبيق لغة القانون دون مواربة، ستضع حداً لكل من تسوّل له نفسه بالعبث بالعلاقة الوظيفية المحترمة بين الموظفين والمؤسسات من جهة وبين متلقي الخدمة من جهة اخرى، وهنالك توجهات إيجابية عند بعض المسؤولين والوزراء في هذا الصدد، ولذلك مطلوب مؤسسات حكومية وخاصة رشيقة وتسعى للخدمة لا صنع مسؤولين هوامير أو مقدمي خدمة انتهازيين؛ لان الاصل خدمة المواطنين واحترامهم دون منّة، ومطلوب أن تنعكس الخطط الاستراتيجية والتطويرية على صغار الموظفين مقدمي الخدمة، وإلّا فإن هذه الخطط تدخل باب التنظير والابراج العاجية، ومطلوب برامج تنفيذية حكومية وغير حكومية للأوراق الملكية النقاشية السبع وترجمتها على الأرض؛ لتنعكس على أدائنا الوظيفي، ومعاملاتنا، وخدماتنا ومسائل مهمة مثل الدولة المدنية والعدل والمؤسسات والديمقراطية والإصلاح والحكومات والقانون وجودة التعليم والخدمة العامة والخدمات والحاكمية والقضاء وغيرها، ومطلوب ميثاق شرف أخلاقي ووطني وإجتماعي يجرّم الواسطة والمحسوبية والشللية ويحافظ على إعطاء الحقوق لأصحابها.

وبالخلاصة، لتطبيق الرسائل والأوراق النقاشية الملكية نحتاج لمنظومة مساءلة مرتبطة بمؤشرات أداء، فمهما غلّظنا العقوبات على المقصرين في الوظيفة العامة فلا جدوى فعالة دون وجود المساءلة الحقيقية والضمير والجانب الانساني، التي هي أساس إتقان العمل وتقديم الخدمة المثلى للمواطنين، ونتطلع لثورة حكومية بيضاء ولتغييرات جذرية لا مثالية فقط في منظومة العلاقة بين متلقي الخدمة ومقدميها وبين المسؤولين والمرؤسين.
وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق

اترك رد