حادثة “اللوبيدة” للدروس والعبر .. والإجراءات

18

كتب فيصل تايه

تعيد حادثة انهيار مبنى “اللوبيده” المؤسفة إلى الواجهة ملف ترميم المباني القديمة المتهالكة وضرورة العمل على صيانتها وحمايتها، حيث ما زال الكثير من المواطنين والمسؤولين يتناسون هذه القضية الهامة ، والتي هي مشكلة مؤرقة ، فالمباني القديمة والتي بنيت بالأساس قبل عشرات السنين دون قواعد بنائية سليمة ، ما زال الكثير من المواطنين يقطنونها ويتوارثون الإقامة بها ، لكن وبالرغم من أن تلك المباني السكنية قد رممت عدة مرة على مدى سنوات لكن “أساسها ضعيف” وبنيتها التحتية متهالكة ، وباتت تشكل مشكلة خطيرة قائمة بحد ذاتها تهدد حياة المواطنين ، وتحتاج إلى إجراءات عاجلة ، فقد أصبحت وبعد كل تلك السنوات من إنشائها غير صالحة للاستخدام والسكن بل ولا بد من هدمها وإعادة بنائها.

ما حصل في هذه الحادثة الأليمة ونتيجة لهذا النحو الانجرافي الكارثي متوقع لأي بناء متصدع فاق عمرة العمر الافتراضي للبناء ، فما دفعه سكان مبنى “اللوبيدة” كان ثمناً من حياتهم الهانئة تحت سقف متصدّع كان يأويهم ، أدى إلى انهيار الطوابق على رؤوسهم ، ليفقد عدد منهم حياته نتيجة غياب الرقابة والإهمال المتراكم لملف المباني القديمة ، ما يعيد إلى الأذهان صورة انهيار مبنى “الجوفة” قبل سنوات قليلة ، والمأساة التي رافقت ذلك السقوط ، علماً أنه لم يصدر عن الدولة أيّ قانون أو إجراء عمليّ منذ ذلك الحين وقبله وبعده لحماية المباني المتصدّعة والمهدّدة بالسقوط وعددها يتجاز العشرات خاصة تلك المباني المطلة من على سفوح جبال عمان السبعة المنحدرة .

الحادثة اليوم لن تمرّ “على هولها” مرور الكرام في أذهان المسؤولين الذين سوف يتداعون إلى إصدار التقارير ، وإلى تقديم بيانات الاستنكار، وتشكيل لجان التحقيق للوقوف على حقيقة ما حصل ، لكن ما بات يخيفنا سقوط مبنى آخر – لا قدر الله- وحدوث مأساة جديدة لعائلات تنتظر مصيرها في المباني القديمة المتهالكة القائمة والتي جاوز عمرها السبعين عامًا ، وبخاصّة في مناطق عمان القديمة ، والتي تزداد تصدّعاتها يوما بعد يوم ، وما يخيفنا أن الأردن منطقة نشطة زلزاليًا رغم أن هذا النشاط معتدل إذا ما قورن بغيره من الدول ، لكن تلك المباني لا تحتمل أي هزات -لا سمح الله- .

إننا ونحن نرى اليوم تلك المباني القديمة المتعالية البنيان وقد تجاوزت عمرها الافتراضي المتوقع ، والتي أصبحت تشكل قنبلة موقوته لقاطنيها لنرفع الصوت عاليا ، بل لا بد أن نعترف بأنّ تلك المباني المتهالكة لا يجدي بها الترميم ، وعلى الدولة أن تتحمل المسؤولية في ذلك بشكل عاجل ، فنحن أمام كوارث قد تهدّد حياة المواطنين، لذلك فالمطلوب الآن سلسلة إجراءات فورية بدءاً من أن يكون هناك تدابير رادعة بحق من يهمل الصيانة الدورية اللازمة لتلك الأبنية، وصولاً إلى إجراء كشف رسمي من قِبل الأجهزة الرسمية المختصّة وتفعيل أجهزة الرقابة لتنظيم عملية الكشف الدوري السنوي على الأبنية للتأكد من متانتها وسلامتها ولتفادي وقوع كارثة جديدة ، وحثّ مالكي تلك المباني على إجراء الإصلاحات الضرورية اللازمة ، وعند التعذّر القيام بذلك على نفقة المالك الخاصة لا بد من اتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحقه، مع ضرورة إيجاد آلية لحماية حقوق الناس وسلامتهم والتوصل إلى حلول تسهل الأعمال التي تدخل في الحفاظ على سلامة الأبنية وسلامة الناس عبر توفير مواد البناء والمساعدة في أعمال الصيانة والترميم بأسعار مدروسة ، كما ويجب تفعيل القوانين وتفعيل أجهزة الرقابة لتدارك أزمة الانهيار ، فالقوانين بحاجة دائماً لتطوير وتعديل بما يتماشى مع حاجات المجتمع ومتطلباته .

وأخيرا وبعد هذه الحادثة، أعود إلى القول، إن الوضع بات لا يحتاج للتسويف ومزيداً من التأجيل ، فلابد من التحرك على الفور بإصدار قرار عاجل ، أولا بحصر كل المباني السكنية المتهالكة والآيلة للسقوط والانهيار لإدراكها وإدراك ساكنيها ومستخدميها، وإصدار تقارير سنوية دورية لتقيمها والمباشرة بإجراء اللازم ، وأن تطلب منها الهدم يتم هدمها ، وإعادة تشييدها من جديد فحياة الانسان هي الاغلى وهي الثروة الحقيقة للدولة وهو مكونها الأساسي ومن اجله تطلق الدول استراتيجياتها ومشاريعها التنموية وهو أهم عنصر من عناصر تقدم وتطور الأمم والحكومات أنشئت من أجل خدمة الإنسان في شتى مناحي الحياة .

رحم الله الضحايا الذين قضوا في فاجعة الانهيار هذه ، وألهم أهلهم الصبر والسلوان ، وتمنياتي للمصابين بالشفاء العاجل ، وكل الشكر لكوادر الدفاع المدني والجهات الأمنية الذين بذلوا قصارى جهودهم من أجل إنقاذ ارواح المواطنين.

اترك رد