البطاينة يكتب: ما هو مستقبل منظومة Petrodollar ؟ وهل السعودية في طريقها للانضمام إلى دول BRICS ؟ وماذا لو إنهار الدولار ؟

23

كتب المهندس سليم البطاينة…

لا يمكن التنبؤ بالمستقبل ، فنظام منع الأزمات غير مكتمل ، والأحداث المتتالية في العالم تدفع المحللين وعلماء المال والإقتصاد للتساؤل : إلى أي مدى سيبقى الدولار عملة مهيمنة على الاقتصاد العالمي ، رغم أنه يشكل ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم ، وحوالي ٥٠٪؜ من صادرات العالم بما فيها النفط ؟

فهناك أسباب عديدة قد تدفع بتراجع الدولار ! أولها : ارتفاع ديون الولايات المتحدة الأمريكية لثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل عشر سنوات ( ٢٢ تريليون دولار ! ).

رغم أن تراجعه سيخلق بلا شك اضطرابات اقتصادية عالمية قد يسفر عنها ندرة بالمواد الغذائية ، وسيؤدي إلى حالات شغب وخلل اجتماعي كبير في العالم … فعلى سبيل المثال إذا بدأت دول كاليابان والصين اللتان تمتلكان أكبر إحتياطي نقدي للدولار بالتخلي عنه ماذا سيحصل ؟ وهل فعلاً الصين واليابان مستعدتان لذلك ؟ رغم أن السوق الأمريكية كانت وما زالت هي الأفضل في تسويق المنتجات اليابانية والصينية.

فالإعلان المطروح منذ سنوات من عدة دول والمتضمن وقف بيع النفط حصراً بالدولار الأمريكي سيكون حدثاً يصنع تاريخ اقتصادي عالمي جديد ، ومثل هذا القرار إذا تم الأخذ فيه سيلغي اتفاقية ( Petrodollar ) ، وسيفكك ما بقي من النظام الإقتصادي المالي العالمي الذي تديره وتستثمره الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي سبعينات القرن الماضي كان الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية بلا منازع في جميع أنحاء دول العالم ، فقد عزز تداول النفط والغاز بالدولار الأمريكي مكانة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها المهيمن على التجارة العالمية.

لكن وعلى ما يبدو أن النقاشات الحالية حول استخدام عملات أخرى غير الدولار تعود لأكثر من ٥٠ سنة ، فأول رجل عبر عن مخاوفه كان الجنرال الفرنسي ديغول وقال في مطلع ستينات القرن الماضي حول هيمنة الدولار الأمريكي وخطورة ذلك على الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي أن قبول دول العالم للدولار يجعل من أمريكا مَدينة لدول العالم دون مقابل.

وإن إنسحاب دول أوبك + الرئيسية من منظومة Petrodollar سيُشكل إلغاء إجرائي للدولار الأمريكي كعملة احتياطية أممية.

والأهم أنه في حالة انضمام السعودية إلى دول BRICS ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا ) سيعني تغييرًا كبيرا في الخارطة المالية والنقدية والاقتصادية في العالم ، فرئيس دولة جنوب أفريقيا أعرب خلال زيارته الأخيرة للسعودية عن رغبة سعودية بالانضمام إلى عائلة البرازيل … فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم ، حيث تبلغ نسبتها حوالي ١٧،٢٪؜ من صادرات النفط العالمية من حيث القيمة على مدى عقود.

فمنذُ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا في شهر ٢ / ٢٠٢٢ رفضت السعودية بشكل حثيث الالتفات إلى دعوات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتوسيع حصص المعروض من النفط الخام وكبح أسعار النفط العالمية … فهذا النقاش الذي يظهر حاليا يعكس التوتر في العلاقة السعودية الأمريكية والتغيرات الهيكلية التي يشهدها سوق النفط العالمية منذ فترة ، والبيئة الجيوسياسية التي خلقها غزو القوات الروسية لأوكرانيا.

فعادة لا يجري الحديث عن هذا الموضوع إلا في فترات ارتفاع أسعار النفط والتي تُمكن الدول من تحقيق فوائض في موازنتها كما حدث بين عامي ٢٠٠٦ – ٢٠٠٨.

ولتعريف القارئ الكريم بمنظومة ال Petrodollar فهو التعبير الذي نشأ بعد ارتباط سعر النفط بالدولار الامريكي إثر اتفاق امريكي سعودي جاء على أنقاض حرب عام ٧٣ ، وتكدس كثيراً من الأموال الفائضة التي كانت بحوزة الدول النفطية بعد ارتفاع أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي … فال Petrodollar يكتسب أهمية خاصة لدى صانعي السياسات المالية والنقدية في العالم لأنه يمثل انتقالاً للثروة من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة من جهة ، وتغيراً في الاتجاهات الاستثمارية في العالم من جهة أخرى.

والملفت للنظر حالياً أن هنالك عوامل جيوسياسية واقتصادية متعددة تعمل الآن على تحويل التيار ضد تفوق الدولار الأمريكي … فالتعاون الصيني السعودي عمليًا وتحت غطاء مبادرة الحزام والطريق BRI أخضع هيكل التجارة الدولية للنفط السعودي إلى تغير جوهري … فصحيفة American Thinker الأمريكية نشرت قبل شهر مقالاً للكاتبة Darlene Casella عبرت فيه عن الخوف عن مصير العملة الاجنبية في ايدي الرئيس المرتعش بايدن على حد قولها ! وصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية نشرت قبل أيام مقالاً بعنوان ( السعودية تدرس قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي عند بيع نفطها للصين.

اترك رد