في الحجر المنزلي.. عائلات تعيد إحياء المأكولات الشعبية

79

الأردن اليوم- مع صعوبة الحجر المنزلي، استعانت سيدات بذاكرتهن التي تختزن خبرة أمهاتهن وجداتهن، بإبداع مأكولات شعبية تراثية تزين المائدة الأردنية بتنوعها وفوائدها الغذائية العالية، وسعيا أيضا وراء التذكير بأهميتها، بعد أن أخذت الوجبات السريعة حيزا كبيرا من حياة الأفراد

الحنين للأكلات الشعبية القديمة هو ما يراود عائلات أردنية في هذه الفترة، فبعد الانتهاء من المهام اليومية وخاصة تلك المتعلقة بالعمل والدراسة، تحاول إضفاء جو من المرح والإيجابية وكسر الروتين والابتعاد عن الملل، وذلك عن طريق القيام بأنشطة ممتعة تدخل البهجة إلى قلب الصغير والكبير وتشعرهم بالقرب المعنوي

وأكثر ما يشغل بال الأسر هذه الأيام ويأخذ حيزا كبيرا من تفكيرها هو وجبات الطعام والمشاركة في إعدادها، واستعادة تلك الأكلات القديمة وما يرافقها من لحظات سعيدة ومميزة تضج بالحياة والدفء تدفعهم لوضع قوائم يومية تحوي أشهر الأكلات المفضلة لدى أفراد الأسرة

أم علي إحدى الأمهات اللواتي تحب كثيرا الأجواء العائلية وتستمتع بها، تقول إن أزمة كورونا أعادت الدفء إلى البيوت رغم صعوبتها. فالأسر بعد أن كانت متفرقة والكل مشغول بشؤونه الخاصة، باتت اليوم أكثر تماسكا من قبل تحن إلى ذكريات كثيرة نسيت أو نحتها هموم الحياة جانبا

وتبين أن إلزام الجميع اليوم بالحجر المنزلي يعد سببا كافيا لإحياء الكثير من الأكلات الشعبية القديمة المرتبطة بمواقف ولحظات لن تتكرر، لافتة الى أنها حريصة في هذه الفترة على أن تقدم لأبنائها أكلات كالرشوف والمكمورة والمشاط. وتؤكد أن حاجتنا جميعا للألفة والإحساس بالأمان تجعلنا نميل للمشاركة في كل شيء وقضاء أوقات تشيع حبا وأملا وسعادة حتى نستطيع تجاوز الأزمة بقوة

أما سندس عبد الكريم التي تحرص هي أيضا على إسعاد أبنائها وتمكينهم من الشعور بتلك الأجواء التي كانت تعيشها في بيت والدها، فتقول إن ضيق الوقت لكونها امرأة عاملة كان يمنعها قبل هذه الأزمة من إعداد بعض المأكولات المتعبة التي تتطلب وقتا وجهدا كبيرين

شعورها بالفراغ هذه الفترة، وتحديدا بعد انقطاعها عن العمل، ساعدها كثيرا على الاستماع لاقتراحات أبنائها الذين يبدؤون التشاور من الليل واختيار الأكلة التي يريدون تناولها في اليوم التالي، ويتم ذلك بالقرعة

وتلفت إلى أن أكثر الأكلات التي يقع الاختيار عليها هي فطائر الجبن والزعتر والسبانخ، بالإضافة إلى أصناف الحلويات كالقراقيش واللزاقيات. وتقول إن مشاركة أبنائها لها في تحضير المأكولات تصنع لحظات مميزة فيها الكثير من الضحك والمزاح والتسلية، وهذا تماما ما كانت تفتقده بسبب ضغوطات العمل الكثيرة

ويذهب الأخصائي الاجتماعي محمد جريبيع إلى أن المجتمع الأردني يعيش بأكمله ظروفا استثنائية تلك الناتجة عن أزمة كورونا وأن نسبة كبيرة من المواطنين يشعرون بغرابة واستهجان إزاء الحالة التي تسيطر على الجميع والمتمثلة بالحظر الإلزامي بهدف الوقاية وحصر الفيروس

ويضيف أن نمط الحياة الغريب هذا خلق في البداية نوعا من المقاومة عند عدد من الناس، لكن ذلك أخذ يتلاشى تدريجيا بفعل قدرة الشعب على التكيف مع الأوضاع الجديدة، ووعيهم الكبير بصعوبة المرحلة وإصرارهم على الخروج منها بأسرع وقت ممكن، مبينا أن تفرغ أفراد الأسر الأردنية من المهام اليومية أعطاهم جميعا فرصة للعودة إلى المأكولات الشعبية القديمة التي أهملت نوعا ما حتى أصبحت حقيقة تفتقدها الموائد، وذلك بسبب توجه الكثيرين واستسهالهم الوجبات السريعة

ورغم قسوة المرحلة والسلبيات المرافقة لها، إلا أنها لها إيجابياتها التي لا يمكننا إنكارها، فهي وبدون مبالغة عززت الشعور بالهوية المجتمعية والوطنية وربطت الجيل الجديد بالموروث الثقافي والاجتماعي والغذائي وزادت من التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا كله بالطبع أوجد ثقافة جديدة لدى الأردنيين جميعا باعتبار أن الآباء أصبح عندهم الوقت الكافي لرؤية أبنائهم وتعريفهم على الكثير من الأمور التي كانت غائبة عنهم

ويؤكد أن الظروف الاستثنائية التي يمر بها الأردنيون أعادت إلى موائدهم التنوع في أصناف الأطعمة وإحياء أشهر المأكولات القديمة

وترى خبيرة التدبير المنزلي منيرة سعيد، أن أزمة كورونا لها إيجابيات كما لها سلبيات، وهذا بالطبع غير الكثير من العادات التي كانت تتمسك بها الأسر الأردنية قبل الحجر المنزلي، مشيرة إلى أن إحساس الجميع بصعوبة المرحلة كان السبب الرئيسي في عودتهم للمائدة البيتية والأكلات القديمة التي تتطلب الوقت والجهد في تحضيرها والتي لم تعد موجودة أصلا ضمن قوائم الأطعمة المفضلة لدى الأغلبية

وتبين أن قرار الكثير من الأمهات بإحياء بعض المأكولات الشعبية والاستعانة بذاكرتهن التي تختزن بالتأكيد خبرة أمهاتهن وجداتهن في هذا المجال أضفى على المائدة الأردنية اليوم التنوع والجودة، كما أن ذلك كان له أثر كبير وواضح على الصحة؛ إذ إن الجميع، وتحديدا الجيل الجديد، أجبروا على الابتعاد عن الوجبات السريعة الدسمة، وبالتالي أصبح خيارهم الوحيد هو الاقتناع بكل ما يقدم لهم والتمتع به

اترك رد